قال مدير جامعة الحدود الشمالية أ. د. سعيد بن عمر آل عمر بمناسبة انعقاد مؤتمر (اللغة العربية ومواكبة العصر) بالجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة: مما لا شك فيه أن حفاظنا على لغتنا العربية الفصحى، هو في واقع الأمر حفاظ على هويتنا وثقافتنا العربية والإسلامية، فهي لغة القرآن والسُّنة، ولغة البيان والحكمة، وهي وعاء ثقافتنا وحاضنة لملامح هويتنا الثقافية والفكرية، كما أنها في واقع الأمر من أكثر اللغات انتشارًا في العالم. فلقد كانت اللغة العربية لغة للعلم والأدب، ولغة للسياسة لقرون طويلة في جميع البلاد التي فتحها وحكمها المسلمون، ولقد أثّرت على كثير من اللغات الأخرى في العالم، فقد كانت اللغة العربية قويةً بقوة المسلمين، مؤثرةً بقدر تأثيرهم في غيرهم. ولا يخفى على إنسان عصرنا أن اللغة العربية تخوض اليوم حرباً للبقاء أمام العديد من صور التحدي التي فرضتها عوامل العولمة، والثورة المعلوماتية والانفجار المعرفي، والتقدم الهائل في تقنيات المعلومات والاتصالات، وما تبعها من تغير طال كل مناحي الحياة أدى إلى تقارب المسافات، وتلاشي الحدود بين الدول والقارات، فأصبحنا نسمع، ليس فقط عن مفهوم “القرية الكونية”، بل أصبحنا نسمع عن “الغرفة الكونية”. ومما لا شك فيه أن عولمة اللغة هي أهم مظاهر العولمة الثقافية والحضارية، ومن الطبيعي أن الأمة الغالبة هي الأمة التي تستطيع أن تفرض حضارتها، وأن اللغة الأقوى هي اللغة الآمرة الناهية، ذات الثقافة العامرة بالمخترعات والإبداعات الكبيرة والتي تسهم بشكل فعال في الحضارة الإنسانية. إن المحافظة على لغتنا العربية الفصحى، في زمنٍ التقت فيه الثقافات، وكثرت فيه المؤثرات، مسؤولية مشتركة، وضرورة يشعر بها الجميع. نحن جميعاً، مفكرون أكاديميون، ومثقفون، وأدباء، ورجال دين، ورجال إعلام، مسؤولون عن حماية اللغة العربية، والنهوض بها، وتحديثها، والاعتزاز بها، وعدم تهميشها. ولعل مؤسسات التعليم العالي في بلادنا الغالية في مقدمة من يتصدى لتيار العولمة الجارف، وذلك من خلال أقسام اللغة العربية في جامعاتنا، إذ عليها مسؤولية كبيرة في حراسة لغتنا العربية الفصحى، عن طريق بناء المناهج والاستراتيجيات التي تبرز خصوصية التراث الفكري والروحي لأمتنا العربية، مع التشجيع على استحداث ألفاظ جديدة، تواكب تطورات العصر وحركة العلوم، حتى لا يحتاج المستخدم إلى لغة غير العربية، وعدم الاتكاء على المصادر والكتب القديمة المنقولة عن الأجداد، في تعليم وتعلم اللغة العربية، حيث أن تلك المصادر بلغتها القديمة، لم تعد قادرة على مواكبة متطلبات العصر الحديث، بانفجاره المعرفي، وفيضانه الغزير من العلوم والتخصصات الجديدة والدقيقة. وعلى جامعاتنا أيضاً مسؤولية توفير فرص الدراسة الجادة أمام أبنائنا الطلاب وحثهم على البحث العلمي وعلى التخصص في ميادين المعرفة التكنولوجية والإنسانية، وتشجيعهم على الإنتاج والإبداع والابتكار، لكي نكون منتجين للمعرفة والتكنولوجيا، لا مستهلكين لها فقط. فما أحوجنا لمثل هذه المؤتمرات التي تهدف إلى خدمة ثقافتنا العربية والإسلامية، وتسعى إلى تأصيل الهوية اللغوية العربية وترسيخها، وتناقش التحديات المختلفة التي تواجهها، وتبحث في سبل النهوض بها. وقد أحسنت الجامعة الإسلامية في تبني مثل هذا الموضوع مؤتمراً لها، مساهمة في خدمة لغة القرآن والسنة، ولا عجب في ذلك من جامعة، كان ولا يزال، من أهم أهدافها خدمة الدين الإسلامي في شتى أنحاء المعمورة، ويأتي ذلك في إطار ما تقوم به المملكة العربية السعودية في خدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية، فضلاً عن تشجيعها المستمر للموسوعات والمشروعات البحثية العلمية التي تهدف إلى نشر الثقافة الإسلامية في شتى بقاع الأرض. وختاماً نسأل الله التوفيق للزملاء القائمين على هذا المؤتمر النوعي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والله من وراء القصد،،،