تظهر في مجتمعنا الكثير من المصطلحات التي يستخدمها الأفراد , وغالباً ما تكون غير مبنية على أساس علمي سليم ؛ ولكن شاع استخدامها في مواقف معينة لتعكس مغزى أو معنى معيناً يرتبط بذلك الموقف . ومن تلك المصطلحات مصطلح ( العقدة النفسية ) فيطلق على الفرد كلمة ( معقد نفسيا ) متى ما صدر منه تصرف غير لائق أو استنكر عليه الآخرون ردة فعل معينة تجاه شخص أو موقف ما . وفي الحقيقة إن أول من تطرق لمفهوم العقدة Complex هو العالم فرويد مؤسس مدرسة التحليل النفسي الشهيرة ؛ حيث قال إن العقدة النفسية في أبسط معانيها تشكل مجموعة من الأفكار والتصورات ذات القيم الوجدانية والانفعالية والتي تعمل على تشكيل الاتجاهات النفسية لدى الفرد بطريقة لاشعورية تجاه المواقف أو الأشخاص أو الموضوعات . هذا وإن العقد النفسية تتشكل خلال مراحل نمو الإنسان وخاصة في مرحلة الطفولة ؛ بالإضافة إلى أن الخبرات والصدمات والتجارب التي يمر بها في حياته اليومية تعمل بشكل كبير في ترسيخ الكثير من المعتقدات المقبولة وغير المقبولة لدى الفرد , والتي تؤثر بدورها على تصرفات الفرد وانفعالاته بشكل عام . اعتقد أنه بعد هذه المقدمة البسيطة يمكن أن نميز ما بين المعنى العلمي الصحيح للعقدة النفسية وما بين ما هو متداول بين عامة الناس . والمعنى المشترك الذي يمكن أن نبرر به استخدام هذا المصطلح هو وجود مشكلة ما في ردة فعل الفرد التي ربما تكون غير مقبولة لدى الآخرين . كما أنه ليس من المنطق أن نحلل التصرفات الغريبة التي تصدر من الآخرين على أنها عقد نفسية؛ فالعقدة لا يتعرف عليها إلا المختصون وبعد جلسات متعددة ؛ كما أن العقد تؤثر بشكل جزئي أو كامل على حياة الفرد خاصة في المواقف التي تمس موضوعاً معيناً أرتبط بخبرة سلبية غير سارة في حياته . كما أنه ليس من العدل في شيء أن نطلق كلمة ( معقد ) على شخص ما لمجرد أن تفكيره أو آراءه لا تروق لنا ولا تتفق معنا ؛ فهي أكبر بكثير من مجرد خلاف فكري حول موضوع أو توجه معين . يبقى لنا أن نقول إن إطلاق هذا المصطلح في غير موقعه قد يسبب وجوده فعليا لدى الفرد ؛ بمعنى أنه إذا اعتاد الفرد على سماع هذا الوصف فقد يتصف به مع مرور الأيام , خاصة في الجانب الذي يعاني منه . فمثلاً إذا تعود الأب أن ينعت ابنه بصفة ( الغباء ) فهو مع مرور الأيام قد يصدق بأنه فعلا ( غبي ) ولا يروق تفكيره إلى المستوى المطلوب ؛ ولنا أن نتخيل بعد ذلك السلوكيات السلبية التابعة التي قد تصدر منه . في الختام , أتمنى لو أننا نراجع أنفسنا قليلا قبل أن نصدر مثل هذه العبارات والتي تجعلنا في موطن الحكم الجائر على الأشخاص في كثير من الأحيان ؛ عوضا إلى أن الكثير من أفراد المجتمع ليس مؤهلا لاكتشاف العقد ولا مخولا لعلاجها .