يمثل الحوار الاستراتيجي السعودي الأمريكي الذي تم منذ اسبوعين مضيا في واشنطن دليلاً على أن العلاقات بين الدولتين ترتكز على أسس قوية وراسخة وتقوم على الاحترام المتبادل والتنسيق المستمر من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة بما يتناسب ومكانة البلدين في مجالهما الاقليمي والدولي، وفي المقابل فإن العلاقات بين البلدين لا تقوم على التطابق في وجهات النظر ازاء معالجة القضايا الدولية، فهناك تباينات في وجهة النظر تظهر بين الحين والآخر لكنها لا تصل الى حد التصادم ولا تتجاوز سقف الحوار المستمر بينهما واستيعابها في اطاره. لذلك جاءت زيارة سمو وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل لواشنطن في توقيت مهم، حيث اتسمت المباحثات بدبلوماسية استباق الاحداث، هذا التوقيت مهم بالنسبة للمملكة حيث اهتمامها الشديد بقضية السلام والأمن في منطفتي الخليج والعالم العربي. لذلك نرى في كل دول العالم توجد مرجعية للفكر الاستراتيجي الذي يحكم صناعة القرار خصوصاً بالنسبة لقضايا السلم والأمن الدوليين، وان هذا الفكر الاستراتيجي يرى أن قادة العالم يرون ان الدبلوماسية هي الاداة الأولى في رسم وتنفيذ سياساتها الخارجية. فالمملكة العربية السعودية هي دولة محبة للسلام لماذا؟ هي دولة محبة للسلام لان الدبلوماسية هي الحل الاول في الاسلام، لانها آمنت ان الدبلوماسية هي مناهج وأساليب نظم وقواعد اتبعتها الدولة الاسلامية الناشئة في تسيير علاقاتها بغيرها منذ ان اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة اسلوباً لنشر الدعوة سبيلاً الى تأليف القلوب ودستوراً في العلاقات والمعاملات، وقد تجسد ذلك في أمور كثيرة منها ما حدث بعد هزيمة المسلمين في احد والشعور بدقة حرج موقف المسلمين في شبه الجزيرة العربية، لذلك كان حرصه صلى الله عليه وسلم علىأن يقف من أخبار العرب جميعاً، بما يمكنه من استعادة مكانة المسلمين وهيبتهم ان سلماً أو حرباً.. ومنها ما حدث يوم أن أعلن النبي الكريم انه مرسل رسله الى هرقل الروم ، وكسرى فارس، ومقوقس مصر والغساني ملك الحيرة،. والحميري ملك اليمن، والنجاشي ملك الحبشة، وتنفيذ ذلك ارسل دحبة الكلبي الى الروم، وعبدالله السهمي الى فارس، وحاطب بن ابي بلتعه الى مصر، وعمر بن اميه للحبشة، وشجاع الاسدي الى الحيرة، وابن امية المخزومي الى اليمن، وغيرهم ليكونوا اول سفراء دبلوماسيين في الإسلام مهمتهم التفاوض مع العالم الخارجي حول دخول الاسلام بلادهم، وعقد الاتفاقيات والمعاهدات وغيرها من المواثيق الدولية. لذلك اقول ان الدبلوماسية كانت هي الحل الاول لعلاقات الدولة الاسلامية مع غيرها من الدول مما يؤكد ان الاسلام دين سلام قبل كل شيء، وفي ضوء هذه النظرة الاسلامية لمفهوم الدبلوماسية ودورها في العلاقات بين الشعوب والدول نجد ان الدبلوماسية السعودية تقوم على مبادىء وثوابت هذا الاسلوب الاسلامي النبوي في تحسين علاقتها الجغرافية والتاريخية والدينية والاقتصادية والسياسية من خلال عدد من الدوائر الخليجية والعربية والاسلامية والدولية. ومن منطلق هذه النظرة أو المرجعية الاسلامية شاركت المملكة في مسيرة التنظيم الاقليمي والدولي فشاركت في تأسيس الجامعة العربية في سنة (1944)، ثم شاركت في تأسيس الأممالمتحدة في اجتماع سان فرانسيسكو عام (1945). فالدبلوماسية السعودية تؤكد ان الهدف من الحوار اولاً : تعزيز أوجه التعاون والصداقة القائمة.. وثانياً الاتفاق على الاطر العامة والثوابت التي تحكم العلاقات بما يمنع تحول الخلاف في وجهات النظر بشأن قضية بينهما الى مشكلة مزمنة في العلاقات عموماً، او ان يؤثر سلباً على قضايا أخرى في مسار التعاون. وانطلاقاً مما سبق يمكن لي ان أقول وبكل وضوح وشفافية ان توقيت زيارة الأمير سعود الفيصل لواشنطن هو توقيت مهم لانه سيحدد معالم جديدة للسلام الاقليمي، لذلك اتسمت تحركات الامير سعود الفيصل ولقاءاته مع الرئيس الامريكي (باراك اوباما) ووزيرة خارجيته تحمل في طياتها معاني ودلالات تستمر طويلاً، لانها مبنية على تقويم عميق للسياسات واتجاهاتها المستقبلية. اذن فالزيارة جاءت مهمة في توقيتها في اطار التحرك الدبلوماسي المكثف الذي يطلق عليه اساتذة العلوم السياسة بدبلوماسية استباق الاحداث الذي تضطلع به المملكة لدرء الاخطار عن الأمة العربية والدفاع عن مصالحها العليا. ومما لا جدال فيه ان هذا المعنى هو ما حرصت عليه المملكة على ابرازه والتمسك بأهدافه منذ اللحظة الاولى في حوارها مع واشنطن. وهنا .. قد يمكن القول ان زيارة الامير سعود الفيصل لواشنطن منذ ايام مضت لتؤكد ان الدبلوماسية السعودية وتحركها النشيط والمكثف يستهدف استباق الاحداث وتهيئة افضل مناخ سياسي مع واشنطن في اطار حوار مشترك لمواجهة التطورات المقبلة في منطقة الخليج بل والمنطقة العربية بصورة عامة. وهكذا فان المملكة ادراكاً منها للمخاطر والتحديات التي تواجهها بمنطقة الخليج ومعها المنطقة العربية يتطلب للحوار الاستراتيجي السعودي الامريكي ان له مهمة تتعلق بالحاضر، واخرى بالمستقبل، وكلتاهما مترابطتان حيث انه من الصعب الحديث عن آفاق جديدة أوسع نطاقاً في العلاقات دون تعزيز الاتفاق في القضايا المثارة في الحاضر في كل المجالات على كل المستويات. حقاً انها زيارة مهمة جاءت في وقت مهم فالتحرك السعودي ينبع بشكل أساسي من مكانتها المحورية ودورها المركزي في دعم الامن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والخليج قد جعل لدبلوماسيتها اسلوباً اساسياً للتفاعلات العالمية والاقليمية، خاصة في ظل الظروف والمتغيرات العديدة واهمها السباق النووي الايراني وموضوع التهديد بإغلاق مضيق هرمز. خلاصة القول ان مكانة المملكة التي تنبع من تاريخها وثقافتها الاسلامية، وريادة وحكمة قائدها الملك عبدالله وعلاقاته المتميزة مع جميع قادة العالم قد فرض عليها ان تلعب دوراً مهماً في تدعيم الامن والاستقرار باتباع منهج حواري دولي برؤية واضحة وهدوء .. وانه الطريق الأوحد لعلاقات افضل بين المملكة وواشنطن.