واستعرض الدكتور احمد جابا لله مدير المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية بباريس فرنسا ورقته التي سيلقيها بالمؤتمر مؤكداً بأن من آثار العولمة في عالمنا المعاصر اتساع حركة الأفكار وسرعة انتشارها، بما هو مُتاح اليوم من تطور وسائل المعرفة والاتصال، ولكن هذا التطور الهائل لم يؤدِّ بالضرورة إلى تحقيق التعارف والتقارب والتعايش بين بني البشر. وقال إن الحوار الذي يمكن أن يحقق التعايش المنشود هو الذي يقوم على الاعتراف بالآخر واحترام خصوصياته الدينية والثقافية والحضارية. وأوضح إن الحوار بين أتباع الأديان يُعدّ من أهم مجالات الحوار الفكري والثقافي، وذلك لما للدين من أهمية في صياغة الشخصية الحضارية لكل أمة، ولما للدين كذلك من أثر في النزاعات الحاصلة بين البشر؛ سواء من حيث إذكائها، أو بالعكس؛ من حيث العمل على تجاوزها؛ إذ أن الدين يمكن أن يكون عامل سلام وتقريب بين الناس ؛ أو يمكن أن يجعله أتباعه منطلقا ومبرّراً للصراع مع غيرهم. وأضاف لمعالجة موضوع: الإسلام والحوار الديني، لا بد لنا من: أولا: تحديد المقصود بالحوار الديني. ثانيا: بيان موقف الإسلام من الحوار الديني. ثالثا: أهداف الحوار الديني. رابعا: ضوابط الحوار الديني. المقصود بالحوار الديني هو تحقيق التعارف والتواصل بين المنتسبين للأديان، بحيث يعرض كل صاحب دين معتقداته ومفاهيمه وفقاً لما هو مستقر عنده؛ إذ إن الحوار مع الآخر لا يمكن أن يكون مُجدياً إذا كنا نريد من الآخر أن يكون على الصورة التي نُحدّدها له سلفاً. يمكن لكل إنسان أن يدرس ويتعرف على الأديان الأخرى ، وأن يكون له تصورات عنها ومواقف من عقائدها ومبادئها، ولكن ذلك لا يغنيه عن الوقوف على فهم الآخر لدينه كما هو يعرضه، بل إن من أهداف الحوار بين الأديان تعديل بعض المفاهيم ورفع الالتباس، وإن ظل الخلاف قائماً حول القضايا المختلف فيها. إن الحوار بين الأديان ليس غرضه إجبار الآخر على التخلي عن دينه، أو إلزامه باعتناق صورة معينة لدينه لا يرتضيها، وإنما التعارف معه من أجل تدعيم المشترك واحترام الاختلاف لتحقيق التعايش والتعاون. وفي إطار هذا التصور للحوار الديني لا يمكن أن نقرّ ما يدعو له البعض من وحدة الأديان، بمعنى جمع الأديان على مبادئ موحدة، وإلغاء ما بينها من فروق واختلافات، وفكرة توحيد الأديان لا تجد ترحيباً من كل الديانات القائمة، لأنه لا يوجد أتباع دين واحد يقبلون بالتخلي عن شيء من معتقداتهم من أجل التقارب مع غيرهم. وقال إن من مستلزمات الحوار الناجح بين أتباع الأديان أن يُحَدّد المقصود منه حتى ينطلق على بيّنة ووضوح مشترك بين الأطراف المتحاورة، ويبتعد بالتالي عن الوقوع في منزلقات تؤدي به إلى الانحراف عن الغاية المرجوة منه. موقف الإسلام من الحوار بين أتباع الأديان: إن التصور الإسلامي يعتبر الحوار أمرا ضرورياً بين الناس، لأنه وسيلة من أهم وسائل التواصل بينهم، ولا يمكن للإنسان أن يستغني عن التواصل مع غيره، إذ طبيعة الحياة وتبادل المصالح والمنافع بين بني البشر أمر لا مناص منه؛ وإن من أهمّ أنواع الحوار، الحوار الديني.