الدكتور فهد السنيدي -الإعلامي السعودي المعروف عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود- الذي عرفه جمهوره قبل عشرين عاماً في إذاعة القرآن الكريم وقناة المجد الفضائية حالياً، شخصية لها تجاربها الإعلامية المميزة التي حققت نجاحات لافتة في الوسط الإعلامي نال على إثر ذلك جائزة المركز الأول بين زملائه المذيعين في الوطن العربي بحسب الجائزة العالمية لخدمة العمل الإسلامي في مجال الإعلام لعام 2005 (المواطن) طرحت على السنيدي محاور متنوعة تتناول عدداً من القضايا المهمة؛ فأجاب عليها برحابة صدر، ننقلها لكم من خلال السطور التالية: تقييم بداية.. اسمح لي أن أستهل حواري معك حول رؤيتك وتقييمك للبرامج الدعوية الفضائية من خلال خبرتك في الإعلام المحافظ. ليس في التقسيم الإعلامي ما يسمى بالبرامج الدعوية، بل هو إطار يدخل في أشكال البرامج المختلفة ولعلك تريد من سؤالك الحديثَ عن البرامج التي تهدف للدعوة؛ لذا أقول مثل هذه البرامج تعتمد -كغيرها- على محاور الجذب الإعلامية بدءاً بالموضوع وقوة الإعداد له، ثم المتحدث سواء أكان ضيفاً أم متحدثاً أساسياً في البرنامج، ويضاف إلى هذه العناصر المقدِرة الفنية الإخراجية. دعني أضرب لك مثلاً بسيطاً.. هناك أفكار جديدة قدمها بعضُ الدعاة في تصوير قصص الأنبياء أو السيرة استخدم المخرجُ فيها مكانَ الحدث أو شبيهاً به، وتمكّن الضيفُ (الشيخ) من الإعداد الجيد للبرنامج فنالَ صيتاً كبيراً، ومن أمثلته ما قدمه الدكتور نبيل العوضي أو عمرو خالد. بينما هناك برامج أخرى ليس بها أي شيء من مقومات العمل الفني السابقة ومع ذلك تلقى نجاحاً عظيماً بسبب المادة المقدّمة والمتحدث، ومن أقرب أمثلتها برامج الشيخ صالح المغامسي. لكن لا بد هنا من التأكيد على غياب البرامج الوثائقية التي تحمل الطابعَ الدعوي، فهي شحيحة في القنوات الفضائية وإن وُجدت فهي للضعف أقرب، مع أن مادة الوثائقي الدعوي مادة غنية جداً. ساعة حوار برنامج “ساعة حوار” أكمل سنواته العشر، ودخل قبل أيام السنة الحادية عشرة، كيف تصف تجربتك مع البرنامج؟ برنامج “ساعة حوار” من البرامج الحوارية التي كان لها أثرٌ كبير على تجربتي وعلى القناة وعلى المشاهد بناء على الدراسات والتقارير والتفاعل الكبير.. وأستطيع أن أصف تجربتي فيه بقولي: برنامج بِنائي لا إثاري.. ساعة حوار لبناء المتلقي لا لتغييب وعيه.. وفعلاً هذا ما حرصت عليه منذ بدأ البرنامجُ واستمرت مسيرته كذلك. أما الوهج فأتفق مع من يقول هذا، وهي طبيعة البرامج الحوارية المستمرة، كما اعترف بذلك كبارُ الإعلاميين.. مثلا “لاري كينج” أمضى قرابة الخمسين عاماً لم تكن وتيرة التعاطي مع البرنامج واحدة، وكذلك البرامج الحوارية في القنوات الأشهر عربياً، إذ يمرّ شهر لم نسمع بحلقة لكن تأتيك حلقة تعيد الوهج، وهذا هو المنهج المتبع لتلك البرامج التي تعتمد على تجدد الضيوف وتنوع المعلومات. قناة المجد من خلال عملك فيها عدة سنوات.. في نظرك، ماذا تحتاج قناة المجد لتستمرّ في الريادة الإعلامية المحافظة؟ قناة المجد كغيرها من القنوات التي تأثرت بانصراف المشاهد إلى الإعلام الجديد وتنوع القنوات وكثرة المشارب وواقع المنطقة العربية السياسي والفكري، وهذا طالَ أغلب القنوات لكن بعضها أصابها من الأثر ما أوقفها وبعضها أصابها ما أثّر عليها دون تراجع كبير، وأزعم أنّ المجد من هذا الصنف بناء على نسب معينة تعلنها الإدارة، ولا يعني هذا أن المجد السابقة في ذهن المشاهد هي الحالية، بل هناك عوامل كثيرة جعلت هذا التغير واضحاً، من أهمها كثرة القنوات التي يتنقل بينها جمهورُ المجد المعني برسالتها. أما ما الذي تحتاجه المجد وغير المجد فهو التجديد وبثّ روح العمل الصحيح والأداء الاحترافي الحقيقي، والبُعد عن الاجتهادات الشخصية أو تقديم البرامج بأسلوب عادي أو الزج بمذيعين لا يخدمون الشاشة مع وجود غيرهم، مع التعامل الدقيق والمهني مع “ألغام” العصر الحاضر الإعلامية والفكرية والسياسية، وأقول “ألغام” لأنها بحق تحتاج إلى الحذر في السير بينها والتعامل مع معطياتها. خسارة في هذا السياق أودّ أن أسألك.. هل خسرت قناةُ المجد الزميلَ محمد المقرن مقدّم برنامج الجواب الكافي؟ محمد المقرن مذيع اتسم بصبغة خاصة وأسلوب وطريقة عُرِفَتْ به وعُرِفَ بها، وقدَّم عبر مسيرته مع المجد برنامج “الجواب الكافي” منذ بدايته، لكن مسألة الخسارة نسبيّة بين الطرفين، أي أنّ محمد المقرن خسر الشاشة وخسر جمهوره، وقناة المجدُ خسرت محمد المقرن بطريقته وأسلوبه؛ لذا ليس من العدل أن نطالب الجميعَ بتقمص دور واحد، فأسلوبي وطريقتي قد لا تناسب غيري، وهذا لا يعني بالضرورة أن طريقة غيري ليست صحيحة، ولكن اعتياد المشاهد على طريقة معيّنة يحتاج إلى وقت للتعود على غيرها. أمر محزن فكرة برنامج “مذيع على الهواء” أُخذت كما هي من برنامجك في المجد للقناة الأولى، هل تم ذلك باتفاق بينكما؟ الحقيقة أنّ هذا الأمر محزن جداً، وقد وكّلت محامياً لرفع دعوى لكنه رأى أن يتم التواصل مع معالي الوزير فهو متفهّم ومتعاون، وبخاصة عندما أبلغت المحامي بكواليس طلب مسؤول داخل الوزارة لكامل ملف البرنامج، ووعدنا أن يتم التعاون لبثّ البرنامج في نسخته الثانية بالتزامن بين القناتين، وإذا بنا نشاهد البرنامجَ على القناة الأولى دون أن يكلّف هذا المسؤول -في التلفزيون- نفسه بالاتصال أو الاعتذار؛ ولذا فأنا ما زلت أحتفظ بحقي النظامي، والأمل معقود في معالي الوزير، ومعالي رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الأستاذ عبدالرحمن الهزاع الذي شرفنا بكونه أحدَ أعضاء لجنة التحكيم في الموسم الأول، وهو لن يرضى بتصرف ذلك المسؤول وما حصل منه في مكتبه من استلام ملف متكامل بالبرنامج ثم تقديمه باسم القناة الأولى.. ولعلك تُعفيني عن ذكر تفاصيل أخرى مهمة ستؤجل في حين النظر في الموضوع. أبحاث غريبة أبحاثكم المنشورة غريبة نوعاً ما، فهي في تخصصكم العقدي وميولكم الإعلامية مثل بحث السينما المصرية وبحث شاعر المليون، وربما نالك من بعض الأطراف نقد، فما أبعاد هذه الأبحاث؟ صحيح، البحث الأول الذي أشرتَ إليه عن البُعد العقدي للأفلام السينمائية المصرية في خمس سنوات، وهو منشور في مجلة كلية دار العلوم المصرية وتم نشر مختصر له في مجلة البيان، لكن لعلك تشير لبعض المناوشات هنا وهناك بين من يمنع الكتابة في هذه الأمور ويقول كيف تسمحون لأنفسكم أن تروجوا لهذه الأفلام؟! وقد ذكرت في مقدمة البحث أني حصلت على سيناريو هذه الأفلام من معهد السينما المصرية وقرأتها ولم أشاهد كل هذه الأفلام، ولو بقينا نرفض الكتابةَ في هذه الأمور؛ لما قدّمنا الجديد الذي صار يحاصرنا. أما الفئة الأخرى فهي التي ترى في الفن إبداعاً لا يحتمل هذا التوجه المتكلف، وأنّ السينما لا علاقة لها بالصراع الأيديولوجي، وفي ظني أنهم لايقلّون في البعد والتشدد عن الفئة الأولى. أما بحث المخالفات الشرعية في شاعر المليون فهو جزء من اهتمامي العقدي والإعلامي والشعري، وقد رصدت قصائد شاعر المليون في نسختيه الأولى والثانية ووجدت بعض المخالفات الشرعية العامة والخاصة وأخرجتها في البحث الذي نشرته مجلة الدراسات الإسلامية بكلية التربية جامعة الملك سعود وسأطبعه قريباً بإذن الله. تناقض لكن هنا تناقض يادكتور واسمح لي.. دائماً ما تهاجم من لا يتحدث الفصحى في الإعلام، مع أنك تحبّ الشِّعرَ الشعبي وتكتب عنه! شكراً لك على هذا السؤال، لكن في الحقيقة لا تناقض البته!! أنا أحبّ الشّعرَ الشعبي وأحفظ منه آلاف الأبيات وأتذوق العذب منه وأردّ على سقيمه وأنكر سيئه، ولكن هذا لا يعني تأييدي لتحويل الإعلام للهجة العامية ولا تقديم البرامج بها.. فبينهما فرق.. يا أخي، هل يُعقل أن يأتي إعلامي يقدم برنامجه بلهجة عامية يتابعة الملايين؟! إذا كنت لا تجيد العربيةَ؛ اذهب للقنوات المتخصصة بالعامية لها جمهورها الخاص مع تحفظي على كثرتها بل يجب الحدّ منها وتقليلها، وقد ذكرت في مقدمة كتابي مخالفات شاعر المليون الهجمة الموجهة ضد العربية ومحاولة إقصائها، وربما أسهمنا نحن فيها من حيث لا نعلم. أما الشّعر الشعبي في مكانه وبين أهله فلا يمكن أن ننسلخ منه فهو جزء من حياتنا. بهذه المناسبة.. مَن يعجبك من المذيعين؟ كل مذيع له صبغته وأسلوبه وطريقته في التعاطي مع برنامجه، لكنني بطبعي شغوف بالبرامج الإذاعية وغالب تركيزي عليها منذ سنوات طويلة؛ لذا كان تعلقي بكبار المذيعين قديماً من أمثال ماجد سرحان ومحمود المسلمي ومحمد الأزرق ومحمد الصالح الصيد ومديحة رشيد من إذاعة لندن، ومتولي درويش وأمين بسيوني وزينهم البدوي من صوت العرب، وعدد من مذيعي الكويت مثل كمال خليل وأحمد سالم وحمد المؤمن مع أني لم أدرك له إلا تسجيلاً واحداً فقط، وفي إذاعة الرياض من أمثال غالب كامل وعبدالملك عبدالرحيم وإبراهيم الذهبي وزهير الأيوبي وبندر الدوخي وياسر الروقي، وأغلب جيل العمالقة الذي تركنا في وضع محزن مع إذاعات لا يعلم مدى الغثّ الذي تقدمه والعبث الذي تنتهجه إلا الله، فضلاً عن اختيار المذيعين الذين نحروا اللغة وقتلوا جمال الصوت الإذاعي وليس لهم في ساحة الثقافة مكان فكيف يتابعهم الجيل الحالي؟! أما في الفضائيات، فكما قلت لك كل واحد منهم له أسلوبه، فقد يعجبني في شخص مقدرته على الإعداد، وفي آخر تمكنه وحضوره، وفي ثالث لغته وجمال صوته. لك المساحة أن تختم الحوار بما تريد.. شكراً لك أخي وهيب، وأنت السبّاق منذ سنوات في كتاباتك الرائعة، وقد سعدت بك سنوات قبل الإعلام الجديد داعماً لبرامج الإذاعة والقناة.