بين الفينة والأخرى تُصدَم المجتمعات العربية بشكلٍ عام، والسعودي بشكلٍ خاص بإعلان زواج بعض المسنّين من قاصرات ممّا يثير الكثير من الجدل، حيث تحدث حالة من الانقسام بالرغم من كثرة المعارضين وقلّة المؤيدين لهذه الظاهرة. وفي السنوات الأخيرة، صدرت أنظمة تمنع الزواج بمن هُن تحت سن ال 15 عاماً، وتعتبره زواجًا غير صحيح، ولا يتم عقد النكاح بالشكل النظامي، وبالرغم من كل هذا المنع والرفض من المجتمعات، تطل هذه المشكلة على المجتمع بين كل فترة وأخرى، حيث كان آخرها عزم مسن في تبوك على الزواج من طفلة (8 سنوات)، بحسب ما تداوله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي. ومن أكثر الحجج التي يحتج بها المؤيدين لهذه الظاهرة -على قلّتهم- حجّة زواج النبي الكريم ﷺ من عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-، وكذلك حجّة أن ولي أمر المرأة أعلم بمصلحتها. وللوقوف على هذه الحجج وتفنيدها، التقت “المواطن” أستاذ الفقه المقارن الدكتور مرضي بن مشوح العنزي للحديث عن تزويج الصغيرات، وتفنيد حجج المؤيدين. وأكد العنزي أن هذه المسألة من المسائل التي تحدّث عنها الكثير من العلماء في الماضي والحاضر، وأنه اختار رأي الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله- كركيزةٍ للحديث عن هذه القضية، ولإجماع الأمة على قبول رأي الشيخ -رحمه الله-. وقال الدكتور العنزي في حديثه ل “المواطن“: “اتفق العلماء على أن رضا الزوجين يعد شرطًا من شروط الزواج، وأن المرأة المُجبرة على الزواج لا يصح نكاحها”. كما أضاف: “لكن اختلف الفقهاء في حكم إجبار الأب لابنته البكر على الزواج، والصواب أنه لا يجوز إجبارها على الزواج، حيث قال ابن عثيمين إن أي امرأة أُجبِرت على النكاح فنكاحها فاسدٌ سواء أجبرها أخوها، أو عمها، أو أبوها، أو جدها، وليس لأحد أن يجبر امرأة على نكاح من لا ترغب”، وأكمل: “لا يحل أن تُجبَر المرأة على التزوّج بمن لا تريد، سواء كان المُجبر أباها أم غيره، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلم): (لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر)، وفي صحيح مسلم قال: (البكر يستأذنها أبوها)، فنص على البكر ونص على الأب”. كما أشار إلى أنه إن كانت البنت دون البلوغ فلا يجوز أن تزوج حتى تبلغ، وإذا بلغت، فيجب على وليها أن يستأذنها وأن يزوجها برضاها، قال ابن عثيمين: “وقال ابن شبرمة من الفقهاء المعروفين: لا يجوز أن يزوج الصغيرة التي لم تبلغ أبدًا، وهذا القول هو الصواب، أن الأب لا يزوج بنته حتى تبلغ، وإذا بلغت فلا يزوجها حتى ترضى”. فيما أكد أن نكاح المُجبرة باطل ولو أخذت شابًا قريبًا من عمرها، فكيف بمن يزوج الصغيرة بمن تجاوز الستين، قال ابن عثيمين: “إذا كانت المرأة مغصوبة، وقدر أن لها عشرين سنةً، وغصبت على الزواج من رجلٍ له إحدى وعشرون سنةً، فإن النكاح باطل، غير صحيح، وفاسدٌ، فكيف إذا كانت هي صغيرة، وهذا الرجل له فوق الستين سنة، فالنكاح من بابٍ أولى أن يكون فاسدًا، وقال:”إكراه بعض الآباء لبناتهم على أن يتزوجن بمن لا يردن هذا محرم عليهم، والنكاح ليس بصحيح، ويجب التفريق بين المرأة وبين زوجها”. وأوضح أنه يكثر الاستدلال بزواج النبي (صلّى الله عليه وسلم) بعائشة -رضي الله عنها- وهي صغيرة، وهذا استدلال ضعيف، وقياس غير صحيح، قال ابن عثيمين -رحمه الله-: “ودليلهم أن عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما زوجها أبوها النبيَ صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست، وبنى بها الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهي بنت تسع سنوات، فنقول لهم: هذا دليل صحيح ثابت، لكن استدلالكم به غير صحيح، فهل علمتم أن أبا بكر رضي الله عنه استأذن عائشة رضي الله عنها، وأبت؟!”. الجواب: “ما علمنا ذلك، بل إننا نعلم علم اليقين أن عائشة رضي الله عنها لو استأذنها أبوها لم تمتنع، والنبي (عليه الصلاة والسلام) خيَّرها مثل ما أمره الله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأِزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً *}، أي بلطف، وحسن معاملة، وشيء من المال، {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا *} [الأحزاب]، فأول من بدأ بها عائشة رضي الله عنها، وقال لها النبي (عليه الصلاة والسلام): “استأمري أبويك في هذا وشاوريهم”، فقالت: “يا رسول الله، أفي هذا أستأمر أبواي؟! إني أريد الله والدار الآخرة”، فمن هذه حالها لو استؤذنت لأول مرة أن تتزوج الرسول (صلّى الله عليه وسلم) هل تقول: لا؟!، يقينًا لا، وهذا مثل الشمس، فهل في هذا الحديث دليل لهم؟! ليس فيه دليل”. كما أكد أن بن عثيمين قال: “وأما تجويز بعض أهل العلم للأب أن يزوج ابنته بدون رضاها، فإنه قول ضعيف ولا دليل عليه لا من أثر ولا من نظر، وأما الاستدلال بتزويج أبي بكر -رضي الله عنه- لابنته عائشة للنبي (صلى الله عليه وسلم)، فهذا قياس بعيد، لأننا لا نجد رجلًا كأبي بكر -رضي الله عنه- في الثقة والأمانة في تزويج ابنته، ولا نجد زوجًا كرسول الله (صلّى الله عليه وسلم) فالذي يقيس الآباء في هذا الزمان على أبي بكر -رضي الله عنه- في تزويجه عائشة النبي (صلّى الله عليه وسلم) قاس قياسًا ليس بصحيح، لأن القياس لا بد فيه من تساوي الأصل والفرع في العلة، والتساوي هنا ممتنع”، وقال: “نحن نوافقكم إذا جئتم بمثل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ومثل عائشة رضي الله عنها، وهل يمكن أن يأتوا بذلك؟! والكلام للشيخ بن عثيمين”. وأضاف أن ابن عثيمين ذكر بعض الأدلة التي توجب رضا المرأة بالزواج، فقال: “وعندنا دليل من القرآن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء: 19]، وكانوا في الجاهلية إذا مات الرجل عن امرأة، تزوّجها ابن عمه غصبًا عليها، ودليل صريح صحيح من السنة، وهو عموم قوله (عليه الصلاة والسلام): «لا تنكح البكر حتى تستأذن»، وخصوص قوله: «والبكر يستأذنها أبوها»، فإذا قلنا لأبيها أن يجبرها، صار الاستئذان لا فائدة منه، فأي فائدة في أن نقول “هل ترغبين أن نزوّجك بهذا؟” وتقول: “لا أرضى، هذا رجل فاسق أو رجل كفء، لكن لا أريده”، فيقال تجبر؟! هذا خلاف النص”، وأما النظر فإذا كان الأب لا يملك أن يبيع خاتمًا من حديد لابنته بغير رضاها، فكيف يجبرها أن تبيع خاتم نفسها؟! هذا من بابٍ أولى، بل أضرب مثلًا أقرب من هذا، لو أن رجلًا طلب من هذه المرأة أن تؤجر نفسها لمدة يومين لخياطة ثياب، وهي عند أهلها ولم تقبل، فهل يملك أبوها أن يجبرها على ذلك، مع أن هذه الإجارة سوف تستغرق من وقتها يومين فقط وهي أيضًا عند أهلها؟ الجواب: لا، فكيف يجبرها على أن تتزوج من ستكون معه في نكد من العقد إلى الفراق؟! فإجبار المرأة على النكاح مخالف للنص المأثور، وللعقل المنظور”. وقال ابن عثيمين: “أي فائدة للصغيرة في النكاح؟! وهل هذا إلّا تصرف في بضعها على وجهٍ لا تدري ما معناه؟! لننتظر حتى تعرف مصالح النكاح، وتعرف المراد بالنكاح، ثم بعد ذلك نزوجها، فالمصلحة مصلحتها”. وأشار إلى أن ابن عثيمين ذكر أن الولي الذي يحبس ابنته على كثرة ما يعطي من الأموال أنه: “قد خان أمانته، وسقطت ولايته، وفعل إثمًا مبينًا -والعياذ بالله-، ولن تغنيه الدنيا عن الآخرة، وما يدري فلعلّه لا يستمتع بما اشترط لنفسه من الأموال”.