إنذار وتنبيه يأتيك على شكل علاماتٍ، أو إشاراتٍ، أو مواقف؛ قد تستوقفك، قد تغير مزاجك، وقد تجعلك في وسط حيرة، وارتباكٍ، وقلق. عندما تصبح شخصاً مجهولاً لا تعرفه، وتحاول أن تفسّر نفسك لنفسك أولاً؛ ثم تحاول أن تشرح ذلك لمن هم حولك، وكأنك المسؤول الأول والأخير، وليس هناك مسبب لتلك الهالة التي تحيطك سواك!؛ هنا تتأكد من وجود خلل ما، إما أن يكون هذا الخلل من عدم مناسبتك للمكان الذي أنت فيه؛ أو لأن كيميائيتك غير متوافقة مع من هم حولك. سأضرب هنا مثالاً للتقريب, بما أنني أكتب الآن وأنتم تقرؤون؛ سأتخذ من شغف الكتابة منحىً لها؛ فعندما تكون مولعاً بجمع المفردات, وتدقيقها وبناء جمل مفيدة, حتى يشيّد منها شرح وافٍ لمسبب كتابتها؛ ثم يأتيك مُحِب ويتصيد أخطاءك ويظهرها مُكبّرة وينتقدها؛ في كل مسكة لك للقلم, فتبدأ أنت في صراعٍ بين محاولة فهم الخطأ, ومحاولة تداركه وتصحيحه, وتضطر إلى محاورة نفسك كثيراً, وتتوجه بالسؤال مع من كنت تتعامل معهم سابقاً عن هذه النقطة للاستفسار: أيوجد بحروفي خلل؟!, ثم تصل إلى مرحلة متقدمة من الوجع حتى تسرد أنت لمُحِبك جميع أخطائك التي كتبتها أو التي فعلتها, ويبدأ شيء ما بداخلك يتبلد, ولم يعد حينها للتصويب مقر, وتجبرك أصابعك وعقلك على الأخطاء التي يُفصَل بينك وبينها بغشاوة تصحيح مزيفة, مع يقين مؤكد أنك بجميع أحوالك ستُنتقد في شغفك, حتى تطفأ شعلتها, وللأسف سيكون ذلك بيدك أنت. وأيضاً على نفس المسار، عندما يُطلب من مجموعة أشخاص كتابة موضوعٍ إنشائي عن الماء مثلاً وهم بنفس المستوى من البراعة، وتوضح لهم النقاط الرئيسية التي تُذكر فيه؛ وتمنحهم جميعاُ نفس الوقت ولن أقول ستقف فوق رؤوسهم لينجزوها سريعاً، ويشترط أيضاً أن تكون دقيقاً في طلبك ومحدداً لتوجهك، فلا يكون طلبك في البداية شيئاً وبعد انتهائه شيئاً آخر، فما النتيجة المتوقعة؟!؛ ستكون النتيجة كما أتت ببالك الآن، المحتوى متشابه لكن المفردات والصياغة مختلفة، لن يُقال المستوى النحوي خاطئ! ولن يُقال كان عليك قلب المحتوى رأساً على عقب ليتناسب، بل سيقال قدراتهم مختلفة، وأنماطهم مُشكّلة، وجميعها مُطَعّمة من روح كاتبها بمفردات تشبه طباعه، وأسلوبه. والخلل ليس بالضرورة أن يكون بمسببات خارجية بل من الممكن أن يكون بسببك أنت، إما لعدم اهتمامك وجديتك؛ أو يكون لعدم التخطيط والتنظيم الجيد، فليس من الحق أن تضع اللوم في جميع الأحول على محيطك، وتشير إليهم بسبابتك وتنسى أن مسار السبابة لابد أن يلتقي بك في كل دورة له. بالتأكيد النقد لابد منه، ولن يكون هناك تطور وارتفاع في المستوى والمسار إلا به، ولن يُقال عن كل نقد خلل!، بل سينظر إلى آلية النقد وخطواته وبها يكون الصدع، وليس بالضرورة أيضاً أن يصدر من مُحب لكن إن صدف وصدر منه فهنا الوقع والتأثير يصل إلى الأعماق، فإما أن يصلح ويصحح أولاً ليكون أنيقاً ونقياً من الأخطاء، أو أن تبوء جميع محاولاته بالفشل وسيكون الضرر أكبر وبوقع أشد.