هيبة المعلم ليست هيبة فرد يراه البعض أخذ أكثر مما يستحق، وأن هيبته تخصه وحده وهو المسؤول عنها ولا تستحق كل هذا الجدل الذي يتحدث عنه بعض المتخصصين في الشأن التربوي والاجتماعي، بل هي في الحقيقة هيبة مؤسسة (المدرسة) وهيبة وزارة وهيبة قطاع التعليم كأهم قطاع على مستوى العالم وهي في المحصلة هيبة الحكومة والدولة، وليست مبالغة إن قلت إن هيبة المعلم هي هيبة دولة، فلننظر بهدوء كيف تتكون هيبة الدولة في نفس المواطن، ومنه تنتقل لكل مَن يأتي لهذه الدولة؟ تعد المدرسة المؤسسة الرسمية الأولى التي يتعامل معها المواطن أول خروجه من البيت ومن أحضان والديه، وفيها يتعلم كل ما يتعلق بالأنظمة والقوانين وعلاقته بها وبالمؤسسات الرسمية، فاثنا عشر عاماً على الأقل هي مدة بقائه في التعليم العام يتشرب خلالها الأنظمة والقوانين، والسلوك الذي يمارسه الطالب مع المدرسة من خلال تلك الأنظمة والقوانين والوعي الذي تكون لديه داخل المدرسة طوال سنوات دراسته هو ما سيمارسه الطالب (المواطن) إذا خرج من أسوار المدرسة إلى المجتمع والمؤسسات الرسمية للدولة. ولأن هيبة المدرسة لا يمكن أن تنفصل عن هيبة المعلم لا نظرياً ولا عملياً، فالمعلم هو الناقل والموصل والموضح للأنظمة والقوانين التي تنظم الحياة داخل مباني المدرسة والتي تمثل أو تحاكي الحياة الحقيقة في الخارج، والمعلم أيضاً هو المشرف على تطبيق تلك الأنظمة والقوانين والمطبق لها، وليس من المنطق ولا يتوقع أن يحدث في الواقع أن يقوم المعلم بتلك المهام التي تبني فكر وسلوك المواطن تجاه حكومته ودولته الممثلة في المدرسة بمعزل عن هيبته، فكيف له أن يكون مقنعاً في إيصال هيبة النظام والأنظمة وهو لا يستشعرها في نفوس طلابه وتعاملهم معه؟! وكيف له أن يفرض تطبيق تلك الأنظمة وهو يدرك تماماً أنه لا يستطيع ذلك فعلياً؟! وفي الجانب الآخر كيف للطالب (المواطن) أن يتقبل من معلمه كل ذلك وهو لا يستشعر هيبته في نفسه ويراها في كل ما يربطه بذلك المعلم؟ وبالتالي كيف للمدرسة أن تكون لها هيبة في نفس الطالب بدون هيبة المعلم؟ فإذا كان هذا حال المؤسسة الأولى التي يتعامل معها المواطن وهو غضٌ طري، فكيف سيتعامل مع بقية المؤسسات الرسمية في الدولة حين يشتد عوده؟ كل ما يفعله المواطن في الحياة العامة العملية الحقيقية هو نتيجة مباشرة لسلوكه الفعلي داخل المدرسة سواء مارسه هو بنفسه أو شاهد من يمارسه. فالمهمل في عمله والمضيع لأمانته وغير المتقن لما ينفذه من عمل غير مبالٍ لهيبة نظام ولا خائف من عقاب الله، سبق وأن فعل ذلك وهو طالب ولم ينل ما يستحق نتيجة لأفعاله تلك، بل غالباً ما يُحقق مراده من نتائج علمية أو سلوكية. والمواطن الذي يُتلف الممتلكات العامة أو يعتدي عليها أو يعتدي على مواطن آخر، لا بد وأنه فعل ذلك في المدرسة أو شاهد مَن يفعله دون عقاب ولا حساب. ومن يتجاوز دوره في الصف معتدياً على حقوق الآخرين في مستشفى أو عند إشارة أو حتى في صف (تميس) سبق أن مارس ذلك كثيراً في المدرسة دون خجل أو خوف ودون ردة فعل من القائمين على النظام في المدرسة؛ لأنهم خائفون من فقد كرامتهم بعد أن فقدوا هيبتهم. كل تلك الأمثلة وغيرها الكثير الكثير تُثبت أن هيبة المعلم هي هيبة نظام ودولة، ولن تعود هيبة الدولة التي نراها تتفلت بوضوح في مواضع كثيرة من مؤسساتها وفي الأماكن العامة إلا بعودة هيبة المعلم والمدرسة والعلم تبعاً لهيبته. كثيرون هم الذين شاركوا في فقدان المعلم لهيبته بما فيهم المعلم نفسه والإعلام والمجتمع والأسرة والمدرسة وإدارات التعليم، لكن الوزارة وأنظمتها هي السبب الرئيس والأهم في فقدان المعلم لهيبته ولن تعود إلا من الوزارة وأنظمتها، لذلك نتمنى على معالي الوزير أن يجعل هذا الأمر في أولوياته الحقيقية بعيداً عن الشكليات التي لم تُنتج شيئاً. تويتر @abdulkhalig_ali [email protected]