نشر الشيخ الدكتور عائض القرني، عبر صفحته على “الفيس بوك” إحدى مقاماته والتي عنونها ب”المقامة الشيطانية”، وهي إحدى مقاماته المنشورة في كتابه “مقامات عائض القرني”. ويقول “القرني” تباعاً: ((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ)) [البقرة:268]. وقُلتُ أعُوذُ بالرحمن مما دَهَانِي مِنكَ يا شَيطَانَ عَصري حَسِبتُكَ نَاصِحاً فَسَلبتَ عَقلي بأخبَار المُنَى وَأَضَعتَ عُمري قال عبدالله بن آدم: حاورت الشيطان الرجيم، في الليل البهيم، فلما سمعت أذان الفجر أردت الذهاب إلى المسجد، فقال لي: عليك ليل طويل فارقد. قلت: أخاف أن تفوتني الفريضة. قال: الأوقات طويلة عريضة. قلت: أخشى ذهاب صلاة الجماعة. قال: لا تشدد على نفسك في الطاعة. فما قمت حتى طلعت الشمس. فقال لي في همس: لا تأسف على ما فات، فاليوم كله أوقات. وجلست لآتي بالأذكار، ففتح لي دفتر الأفكار. فقلت: أشغلتني عن الدعاء. قال: دعه إلى المساء. وعزمت على المتاب. فقال: تمتع بالشباب. قلت: أخشى الموت. قال: عمرك لا يفوت. وجئت لأحفظ المثاني. قال: رَوّح نفسك بالأغاني. قلت: هي حرام. قال: لبعض العلماء كلام. قلت: أحاديث التحريم عندي في صحيفة. قال: كلها ضعيفة. ومرّت حسناء فغضضت البصر. قال: ماذا في النظر؟ قلت: فيه خطر. قال: تفكّر في الجمال، فالتفكر حلال. وذهبت إلى البيت العتيق، فوقف لي في الطريق. فقال: ما سبب هذه السّفرة؟ كلت: لآخذ عُمرة. فقال: ركبت الأخطار، بسبب هذا الاعتمار، وأبواب الخير كثيرة، والحسنات غزيرة. قلت: لا بدّ من إصلاح الأحوال. قال: الجنة لا تدخل بالأعمال. فلما ذهبت لألقي نصيحة. قال: لاتجرّ إلى نفسك فضيحة. قلت: هذا نفع للعباد. فقال: أخشى عليك من الشُّهرة وهي رأس الفساد. قلت: فما رأيك في بعض الأشخاص؟ قال: أُجيبك عن العامّ والخاصّ. قلت. أحمد بن حنبل؟ قال: قتلني بقوله: عليكم بالسُّنَّة، والقرآن المنزّل. قلت: فابن تيمية؟ قال: ضرباته على رأسي باليومية. قلت: فالبخاري؟ قال: أحرَق بكتابه داري. قلت: فالحجّاج؟ قال: ليت في الناس ألف حجّاج، فلنا: بسِيرته ابتهاج، ونهجه لنا علاج. قلت: ففرعون؟ قال: له منّا كل نصر وعون. قلت: فصلاح الدين، بطل حطّين؟ قال: دعه فقد مرّغنا بالطين. قلت: محمد بن عبدالوهّاب؟ قال: أشعل في صدري بدعوته الالتهاب، وأحرقني بكل شهاب. قلت: فأبو جهل؟ قال: نحن له إخوة وأهل. قلت: فأبو لهب؟ قال: نحن معه أينما ذهب. قلت: فلينين. قال: ربطناه في النار مع إستالين. قلت: فالمجلات الخليعة؟ قال: هي لنا شريعة. قلت: فالدشوش؟ قال: نجعل الناس بها كالوحوش. قلت: فالمقاهي؟ قال: نرحّب فيها باللاعب واللاهي. قلت: ما هو ذكِركم؟ قال: الأغاني. قلت: وعملكم؟ قال: الأماني. قلت: وما رأيكم في الأسواق؟ قال: عَلَمُنا بها خفّاق، وفيها يجتمع الرفاق. قلت: فالحزب الاشتراكي؟ قال: قاسمته أملاكي، وعلّمته أورادي وأنساكي. قلت: كيف تضل الناس؟ قال: بالشهوات والشبهات والملهيات والأُمنيات والأُغنيات. قلت: فكيف تضل النساء؟ قال: بالتبرّج والسّفور، وترك المأمور، وارتكاب المحظور. قلت: فكيف تضل العلماء؟ قال: بحب الظهور، والعُجب والغرور، وحسد يملأ الصدور. قلت: فكيف تضلّ العامة؟ قال: بالغِيبة والنميمة، والأحاديث السقيمة، وما ليس له قيمة. قلت: فَكَيف تضل التجار؟ قال: بالرِّبا في المعاملات، ومنع الصدقات، والإسراف في النفقات. قلت: فكيف تضل الشباب؟ قال: بالغزل والهيام، والعشق والغرام، والاستخفاف بالأحكام، وفِعل الحرام. قلت: فما رأيك في إسرائيل؟ قال: إياك والغِيبة، فإنها مصيبة، وإسرائيل دولة حبيبة، ومن القلب قريبة. قلت: فالجاحظ؟ قال: الرجل بين بين، أمره لا يستبين، كما في البيان والتبيين. قلت: فأبو نُوَاس؟ قال: على العين وعلى الرأس، لنا من شعره اقتباس. قلت: فأهل الحداثة؟ قال: أخذوا عِلمهم منّا بالوراثة. قلت: فالعَلْمانية؟ قال: إيماننا علماني، وهم أهل الدجل والأماني، ومن سمّاهم فقد سمّاني. قلت: فما تقول في واشنطن؟ قال: خطيبي فيها يرطن، وجيشي بها يقطن، وهي لي موطن. قلت: فما رأيك في الدُّعاة؟ قال: عذّبوني وأتعبوني وبهذلوني وشيّبوني يهدمون ما بنيت، ويقرؤون إذا غنّيت، ويستعيذون إذا أتيتُ. قلت: فما تقول في الصحف؟ قال: نضيِّع بها أوقات الخَلَف، ونذهب بها أعمار أهل التّرف، ونأخذ بها الأموال مع الأسف. قلت: فما تقول في هيئة الإذاعة البريطانية؟ قال: ندخل بها السم في الدسم، ونفسد بها بين العرب والعجم، ونثني بها على المظلوم ومن ظلم. قلت: فماذا فعلت بقابيل؟ قال: سلّطته على أخيه فقتله، ولولا الغراب ما دفنه. قلت: فما فعلتَ بقارون؟ قال: قلت له: احفظ الكنوز وافرح، فلم يدر أن من فعل ذلك ما أفلح. قلت: فماذا قلتَ لفرعون؟ قال: قلت له: يا عظيم القصر، قل: أليس لي مُلك مصر، فسوف يأتيك النصر. قلت: فماذا قلتَ لشارب الخمر؟ قال: قلت له: اشرب بنت الكروم، فإنها تُذهِب الهُموم، وتُزيل الغموم، وباب التوبة معلوم. قلت: فماذا يقتلك؟ قال: آية الكرسي، منها تضيق نفسي، ويطول حبسي، وفي كل بلاء أُمسي. قلت: فمَن أحب الناس إليك؟ قال: المغنون، والشعراء الغاوون، وأهل المعاصي والمجون، وكل خبيث مفتون. قلت: فمن أبغض الناس إليك؟ قال: أهل المساجد، والزاهد والمجاهد، والعالم أشد عليّ من العابد. قلت: أعوذ بالله منك، فاختفى وغاب، كأنما ساخ في التراب.