لرمضان طقوس وحكايات وسير، يعيشها المرء، ويتذكر جانبًا آخر لم يعد موجودًا، من ذاكرة الحنين، نعود اليوم إلى الإذاعة السعودية، ومسلسل “أم حديجان”، الذي ارتبط مع وقت الإفطار في رمضان، والذي كانت تبثه إذاعة الرياض قبل عقود عدة. ترفيه وفكاهة تجمع الأسرة: مسلسل “أم حديجان”، الذي يقدم الترفيه والفكاهة، ويعد من طليعة الأعمال التي تميزت بها الإذاعة السعودية، وكسبت به جمهورًا عريضًا، وهو من أداء الفنان السعودي الموهوب عبدالعزيز الهزاع، الذي اشتهر بتقليد الأصوات؛ لدرجة أن لديه القدرة على تقليد 15 صوتًا في وقت واحد، وهو ما جعله يلفت النظر في بدايات تفتق موهبته، ويكسب جمهورًا آخر في جميع أنحاء العالم العربي. ما قبل التلفاز: كان الناس في شهر رمضان المبارك، قبل بدء البث التلفزيوني في بلادنا عام 1385ه، يقضون يومهم كأي يوم عادي يمر عليهم من أيام السنة، ولا يميزه عن غيره سوى الصيام في النهار والقيام وصلاة التراويح في الليل. كانت تلك الفترة أيضًا مصاحبة لعدم وجود الكهرباء في معظم البلدان، سوى العاصمة الرياض والمدن الكبرى في المنطقتين الغربية والشرقية من البلاد، لذا كان الناس ينامون من أول الليل ويستيقظون آخره، لتناول وجبة السحور، ومن ثم يؤدون صلاة الفجر ليحظوا بعد ذلك بقليل من سويعات النوم الهانئ، ليستيقظوا بعد شروق الشمس لممارسة أعمالهم اليومية، ومن بعد ذلك يستقرون في بيوتهم لقضاء فترة الظهيرة في القيلولة أو الراحة، وبعد صلاة العصر ينتشرون في الأسواق للبيع والشراء أو لقضاء حوائجهم حتى قبيل غروب الشمس، ليذهبوا إلى منازلهم لتناول وجبة الإفطار مع انطلاقة المؤذن لصلاة المغرب، وبعد أداء صلاة المغرب يعود الجميع إلى إكمال إفطارهم ليعودوا إلى المسجد لأداء صلاة العشاء والتراويح، التي يعقبها تجمع الكبار في منزل أحدهم ليتسامروا في ضوء السراج أو النار التي تمتلئ بها مواقد إعداد القهوة- الوجار-، فيما تجتمع النساء أيضًا لقضاء وقت “العتيم” أي المسامرة، وقبيل منتصف الليل يهجع الجميع للنوم استعدادًا لتناول السحور وبدء يوم جديد من الصيام. وكانت هناك قلة قليلة ممن يمتلكون جهاز “الراديو”، الذي يستمعون إليه وإلى ما يقدمه من أخبار وبرامج تثقيفية في خفية وبصوت خافت ، حيث إن الراديو كان محاربًا في بداية ظهوره. وبعد أن انتشرت الكهرباء في المدن والقرى عرف الناس السهر في الليل، وزاد من متعة السهر وجود التلفزيون الذي بدأ بثه الفعلي عام 1385ه، حيث بات يعرض الأخبار وعددًا من المشاهد التمثيلية والبرامج الثقافية إلى الساعة العاشرة مساءً، حيث ينقطع بعدها بثه. سمر وحكايات: كانت برامج التلفزيون عند بداية البث هي الخيار الوحيد لكل المشاهدين، وكانت تلك البرامج في وقتها، وقبل انتشار الفضائيات، تحظى بمشاهدة الجميع، وهي حديث مجالسهم، فهي ترضي جميع الأذواق للصغار وللكبار، وكان البث بالأبيض والأسود في بداياته، وبعد عدة أشهر من التجارب هجر التلفزيون السعودي البث العادي أو الأبيض والأسود وباشر البث الملون رسميًّا في يوم 1/10/1396ه، أول أيام عيد الفطر المبارك، الذي صادف المناسبة الوطنية الغالية اليوم الوطني للمملكة. هذا الحدث أوصل الإثارة إلى قمتها بالنسبة للمشاهدين؛ حيث بدأت الاستعدادات لتبديل الأجهزة القديمة بأجهزة تلفزيون ملونة، أما الذين لم يتسنَّ لهم ذلك في البدايات، فكانوا ينتهزون فرصة تبادل الزيارات لمشاهدة التلفزيون الملون عند الأقارب والأصدقاء. برامج عالقة في الذاكرة: ما زالت عديد من البرامج الهادفة والشيقة عالقة في الأذهان، خاصةً في شهر رمضان المبارك، مثل برنامج “على مائدة الإفطار”، الذي قدمه الشيخ علي الطنطاوي، وبرنامج مسابقات الأطفال “فوازير رمضان”، وهو برنامج يومي للأطفال في شهر رمضان المبارك، والذي عرض لسنوات عدة من إنتاج تلفزيون المدينةالمنورة غالبًا، وقد كانت الإجابات ترسل بالبريد المكتوب إلى التلفزيون، وتعتبر فوازير رمضان من عام 1396ه حتى نهاية عام 1400ه الأجمل في تاريخ المسابقة، وقد روعي في شارات البداية أن تكون جاذبة للصغار. ومن البرامج القديمة الشهيرة أيضًا، مسلسل “رمضان والناس”، وهو من إنتاج تلفزيون جدة عام 1394ه، وقد عرض في شهر رمضان المبارك، ومسلسل “تحفة ومشقاص في كفر البلاص”، وهو من الإنتاج الخاص لتلفزيون جدة، ومسلسل “قناديل رمضان”، وهو من إنتاج تلفزيون جدة منذ عام 1395ه ولسنوات عديدة، ويعرض في شهر رمضان المبارك. وكان لدينا أيضًا، مسلسل “أبو مسامح أيام زمان” من إنتاج مؤسسة أبو مسامح لتلفزيون الدمام عام 1399ه، وهي سلسلة من 15 حلقة مستقلة، عرضت في أوقات متفرقة، منها حلقتان في عيد الفطر. وهناك مسلسلات معروفة أخرى لا تقل شأنًا عما ذكر، مثل: * العم معروف * شمعة تحترق * اللهم إني صائم * الجفاف يقتل الندى * صور من التاريخ * السعد وعد. برامج ثقافية لكل الأعمار: ولا نغفل بالطبع عن البرنامج الإعلامي “ربوع بلادي”، وهو برنامج يومي أنتج وعرض لأول مرة في شهر رمضان عام 1399ه، وموجه للأطفال، يعرفهم بمدن المملكة وأهم المعالم التاريخية فيها، من إنتاج محطتي جدةوالرياض، ومن إعداد وتقديم خالد زارع- رحمه الله-، ومن إخراج يحيى توفيق، وقد أدت أغنية المقدمة عفراء المرزوقي ومجموعة أطفال، والكل يتذكر مقدمة وخاتمة البرنامج الرائعة: “ربوع بلادي علينا بتنادي، وتقول تعالوا شوفوني يا أولادي، بلادي بتنادي يا أولادي”. ومن البرامج الثقافية وبرامج المسابقات برنامج “بنك المعلومات” لمقدمه د. عمر الخطيب، ومن الأشياء التي بقيت في الذاكرة أنه عند وجود خلل في البث كان التلفزيون يوقف بث البرنامج، ويعرض لوحة عليها “نأسف لهذا الخلل الفني”، ثم يعرض صورة ثابتة لمنظر طبيعي لحين عودة البث. كما كان التلفزيون السعودي يوقف بث برامجه أثناء تأدية الصلوات، وذلك بعرض صورة ثابتة عليها “نتوقف الآن لأداء الصلاة”، وفي عام 1393ه بدأ رفع الأذان في التلفزيون مع بثه فقرة بعنوان “من هدي النبوة”، ثم يتوقف البث لأداء الصلاة. وفي عام 1397ه نقل التلفزيون صلاة التراويح وختم القرآن الكريم في آخر ليلة من شهر رمضان المبارك، وكان الشيخ عبدالعزيز السبيل يؤم المسلمين في آخر ليلة من شهر رمضان المبارك لعام 1397ه كأول نقل حي لصلاة التراويح من المسجد الحرام، وفي عام 1400ه بدأ التلفزيون ينقل صلاة التراويح في شهر رمضان كاملة. ومن البرامج المميزة التي كانت تحظى بجماهيرية كبيرة طوال شهر رمضان المبارك مسابقة رمضان للكبار، التي كان الجميع يتسابق في حل أسئلتها، ومن ثم جمعها في رسالة واحدة وبعثها عبر رسالة بالبريد إلى التلفزيون، حيث تقوم لجنة بفرز الأجوبة، وحصر أسماء الفائزين، وبعد ذلك يتم السحب من بينهم على قدر جوائز المسابقة، وبعد شهر رمضان تتم إذاعة أسماء الفائزين الذين يطلب منهم الحضور لتسلم الجائزة نقدًا من التلفزيون. وأول من قدم للبرنامج في شهر رمضان هو محمد أحمد صبيحي، عبر برنامجه “حكمة اليوم”، بين عامي 1388 ه و1392ه، الذي كان يخرجه عاطف الجعار ومن ثم عبدالله باجسير. واستمر هذا البرنامج في بريقه وازدياد متابعيه عامًا بعد عام، وقد تضاعفت قيمة الجائزة إلى عشرة آلاف ريال، أما الجوائز فكانت تقدم من قبل المعلنين، أما موضوعات المسابقة فهي في القرآن الكريم وعلومه؛ بحيث يعرض مقطع وفي نهايته يطلب حل السؤال بذكر الآية واسم السورة، وقد تكون المسابقة في أعوام أخرى في السنة النبوية وعلومها، ولكن كان الغالب على المسابقة أنها اختصت بالقرآن الكريم، فلذلك كثيرًا ما نسمع بين كبار السن بالأمس قولهم مسابقة الكبار للقرآن الكريم. ومن البرامج القديمة التي نالت استحسان المشاهدين أيضًا، برنامج المسابقات “حروف”، حيث يتسمر أفراد الأسرة أمام شاشة التلفزيون لمشاهدة المسابقة بين فريقين، التي تعتمد على اختيار الحروف لطرح الأسئلة.