ضمن الحراك السياسي والاقتصادي الكبير، الذي أطلقته المملكة كقوة ومكانة فاعلة في العالم لتعزيز وبناء علاقات إستراتيجية مع مختلف القوى، وبناء اقتصاد وطني جديد، وفق رؤية المملكة 2030 التي وضعها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أعلن عن خطط تنفيذها عبر مراحل وبرامج عدة استهلّها ببرنامج التحول الوطني 2020، دخلت نيودلهي في إطار الاهتمام، وفق منهجية المصالح المتبادلة. وأسست الدبلوماسية السعودية، بتوجيه وقيادة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لحقبة جديدة من العلاقات المتينة والمواقف المشتركة مع عدد من الدول الآسيوية، إذ فتحت رؤية المملكة 2030، على الصعيد الاقتصادي، آفاقًا ضخمة للاستثمار الأجنبي في السعودية، خصوصًا في ظل اعتماد قوانين مرنة وإجراءات سهلة في دخول السوق الاستثمارية السعودية. وبات واضحًا اهتمام رأس المال الآسيوي بالتحولات الاقتصادية السعودية، وسعيها لتعزيز آفاق التعاون، وتوسيع دوائر المشاركة؛ نظرًا للمكانة الكبيرة للمملكة ككيان اقتصادي وسياسي فاعل في المنطقة. 75 عامًا من العلاقات الثنائية: العلاقة بين المملكة العربية السعودية والهند، استمرت بين مد وجزر منذ انطلاقتها في العام 1947 حتى دخول الألفية الثالثة. وأصبحت الهند دولة نووية بعد تجاربها النووية الناجحة في عام 1998، الأمر الذي قدم لها ميزة تفوق الردع النووي. وفي عام 2000 بدأت نيودلهي اتصالات مثمرة شهدت انفراجًا في العلاقات السعودية- الهندية مثلتها اللقاءات الوزارية بين وزراء خارجية البلدين، ثم زيارات متبادلة لوزراء الداخلية والشؤون الخارجية. وبعد 2001 أعادت المملكة رسم إستراتيجيتها الدولية، خاصة تجاه التقارب مع القوى الدولية الرئيسة في أوروبا وآسيا، بما فيها روسياوالصينوالهند، وأدت الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- رحمه الله- للهند في كانون الثاني/ يناير 2006، إلى تحولات مهمة في علاقات البلدين، لاسيّما في مجالات التعاون لمكافحة الإرهاب وتأمين مصادر الطاقة للهند، وتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري والتقني بين البلدين. وتم خلال تلك الزيارة توقيع 15 اتفاقًا بين البلدين، شملت المجالات كافة. وتسعى الرياض اليوم، انطلاقًا من رؤية 2030، إلى زيادة تفعيل العلاقات مع نيودلهي، لاسيّما في مجال الطاقة، وعلى وجه التحديد النووية منها، في إطار عملها على بناء مفاعلاتها النووية. ثقافيًّا وتجاريًّا: تعدُّ السعودية، رابع أكبر شريك تجاري للهند بعد الصين، والولايات المتحدة، والإمارات، ومصدر رئيس للطاقة، إذ تستورد الهند نحو 19% من الزيت الخام من المملكة، بيد أنه انخفضت قيمة التجارة الثنائية بين الهند والمملكة خلال عامي 2016- 2017. وفي المقابل، فإنَّ السعودية هي ثامن أكبر سوق في العالم للصادرات الهندية لأكثر من 1، 86% خلال 2016- 2017 من صادرات الهند العالمية. ومن حيث الواردات من السعودية، تحتل الهند المرتبة السابعة، وتمثل نحو 3.7% من إجمالي واردات السعودية. أما ثقافيًّا، فتعتبر الهند ثاني أكبر موطن للإسلام في العالم، حيث يرى المسلمون الهنود مكةالمكرمة والمدينة المنورة في السعودية أقدس البقاع، ويشكل الهنود أيضًا أكبر جالية أجنبية في السعودية، حيث يبلغ عددها نحو ثلاثة ملايين نسمة. شراكة أمنية واقتصادية وعلمية: يلعب التنسيق والتعاون الهندي- السعودي دورًا مهمًّا في دعم الاستقرار والتبادل التجاري في المحيط الهندي، لما يمثله من أهمية كبيرة في الإطار الإستراتيجي العالمي؛ نظرًا لاتصاله بقارات آسيا وإفريقيا وأوقيانوسيا، التي تمثل ثقلًا سكانيًّا كبيرًا. كما يربط المحيط المناطق الغنية بالمواد الخام؛ مثل: النفط، والغاز، والمعادن في منطقتي الخليج العربي وشرق إفريقيا، بمناطق التصنيع في شرق آسيا. وفي عام 2008، تم إنشاء اتحاد الدول المطلة على المحيط الهندي "IORA"، بغية منع أي صراعات محتملة قد تنشأ في المحيط الهندي، وتبادل المعلومات مع الشركاء، وعلى رأسهم السعودية، وبناء قدرات الدول الأقل قوة. ولم تقف المملكة في علاقتها مع الهند عند هذا الحد، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين العام الماضي 39 بليون دولار، وفي العام 2017، وقّعت الرياضونيودلهي، على اتفاق وبرنامجي تعاون وبرنامج تنفيذي ومشروع مذكرة تفاهم، تشمل ترويج الاستثمارات بين الهيئة العامة للاستثمار في المملكة وهيئة الاستثمار الهندية، وجرى التوقيع على برنامج تعاون فني في مجالات التقييس، واتفاق تعاون عمالي في مجال توظيف العمالة العامة بين وزارة العمل في المملكة، ووزارة الشؤون الخارجية في الهند. وفي مجال التعاون بقطاع الحرف والصناعات اليدوية، تم التوقيع على برنامج تنفيذي للتعاون في هذا المجال بين الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ومجلس ترويج صادرات الحرف والصناعات اليدوية الهندي. ولمراقبة الأموال المتداولة بين البلدين، تم التوقيع على مشروع مذكرة تفاهم بين وحدة التحريات المالية السعودية ووحدة التحريات المالية الهندية حول التعاون في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بغسيل الأموال وتمويل الجرائم والإرهاب. وتتميز الهند في الجانب الطبي ومنافستها لدول العالم، ما فتح فرصًا للملكة للتعاون في التكنولوجيا بشكل عام وفي القطاع الصحي تحديدًا، لاسيما بعد أن أعربت الهند عن رغبتها في إعطاء هذا القطاع دفعة في الشرق الأوسط، حيث توجد حاجة وطلب كبير. كما اتفقا على تقوية التعاون بين المؤسسات التعليمية، والجامعات، والمؤسسات العليا للأبحاث في كلا البلدين. وتستورد الهند من المملكة المنتجات البتروكيماوية والنفط بشكل رئيس، إلا أن ذلك لا يكفي في ظل الفرص الثمينة التي يمكن استغلالها، بغية تنويع مصادر الدخل والاستثمار بما يتوافق ورؤية المملكة 2030، والبحث عن أسواق بديلة بعد تراجع بعض الأسواق التقليدية للصادرات السعودية، والاستفادة من الفرص الاستثمارية التي يتيحها الاقتصاد الهندي المتطور، فضلاً عن الاستفادة من الإمكانات والميزة النسبية في صناعة النفط والاستثمار بالمصافي الهندية، ومن موقع الهند في تأسيس قاعدة لوجستية متقدمة لوصول الصادرات السعودية إلى شرق آسيا، إضافة إلى جذب استثمارات هندية للمدن الاقتصادية الجديدة بالمملكة، والاستفادة من الإعفاءات الجمركية في تصدير منتجات سعودية جديدة.