لا أدري كيف استحضرت "ليالي الأنس" التي كتبها رامي، ولحنها فريد، وغنتها أسمهان، يرحمهم الله سنة 1944م في فينا، التي كانت وقتها تحت الاحتلال (النازي).. لم تدم غفوتي طويلًا، حتى أدركت أنني في جدة عروس الجزيرة العربية، سيما في الشتاء بأقمارها الزاهية، ودفئها المعتاد، وبحرها الشاعري، الذي لطالما ألهم السندي، وطارق، وعبدالله محمد، وطلال، ومحمد عبده ووو... إلخ. وفِي ديوان ليالي الأنس وعراب هذه الليالي الأستاذ فوزي فلنتيانه، هذا الجميل الذي ياما جمّعنا، وياما دعانا إلى ما يسميها كما يحلو له "ملتقى الأحبة"، فحتى وهو في عز مرضه، يسكب الحب، ويرسم الابتسامة، ويكتب الدرر.. يحترق فوزي ويسعد الآخرون (هكذا عرفناه). فوزي قنينة الطيب الحجازي المعتق، بحلو الحديث، واستنطاق المفردة الجميلة، وبناء اللوحات الغنائية الرائعة، فهو الذي يتكئ على إرث كبير، من القصائد الغنائية التي كتبها، لعمالقة الغناء السعودي. في ملتقى الأحبة، احتفلنا بشفائه من مرضه، ولكن عنده، وفِي ديوانه الشاعري، دعانا بدلًا من أن ندعوه، وكرمنا بدلًا من أن نكرمه، في أمسية ولا أحلى! بالوجوه الحجازية، التي دارت ساعاتها نقاشًا، بين التاريخ، والحضارة، والفن، والإرث، والتي استهلها الشيخ أسامة عبدالمنان، بالتكية المصرية، وداخل معه الشيخ حسن محمد طيب، نائب رئيس نادي الاتحاد سابقًا، والشيخ حسان صالح طيب، مدير عام الشؤون الاجتماعية السابق، ثم انتقل الحديث إلى الحكم التركي البغيض، وشنائعه في الحجاز، وصولًا إلى أبها الذي دخلت فيه، وشاركني بإقناع الدكتور الطبيب الاستشاري المعروف بأدبياته محمد أبو نواس والأستاذ حسن باشويه، والأستاذ محمد الشنقيطي، والأستاذ عبدالإله البحراني، مدير السعودية في مصر سابقًا، والعميد تركي المطرفي، مساعد مدير الجوازات سابقًا. وفي هذه الأمسية حضر الإعلام الصادق، من رفقاء الدرب والمشوار، الذين فاجأني بهم صاحب الملتقى بعد غيبة طويلة، أمثال الأساتذة ناجي طنطاوي، وسامي عنبر، وعدنان صعيدي، ورفقي الطيب، وياسر بدر كريم، وسعود مطلق الذيابي، وهذان الأخيران لطالما كررت على كل واحد منهم عبارة (كان الله في عونك فقد أتعبك أبوك!)، فالأول ابن العصامي الذي أصبح دكتورًا، وعلمًا من إعلام الإعلام المرئي، والمسموع أنه الأستاذ القدير بدر كريم رحمه الله، وأما الثاني، فأبوه الأديب الشاعر والإعلامي، مطلق الذيابي، الذي لا زلنا نقرأ له حتى الآن رحمه الله، ليسدل الأستاذ فوزي ستار الجدل، والنقاش، بسفرة ومائدة (السليق) الحجازي المتعوب عليه. ويفتح لنا بعدها الباب، على تقاسيم القانون، بمقاماته، التي أبدعها الشاب محمد خالد يعقوب، مع أوتار عاصم دعوجي، القادم بالقصيدة الغنائية الجميلة، والصوت الشجي عمر حلواني، والأستاذ عبدالقادر الجيلاني، وذاكرة الراحل، طلال مداح وولد خاله عبدالوهاب فارسي، وهذه الكوكبة سحبت منا أهل الجدل الفكري، البساط، وحلقت بنا من سودة عسير إلى هضاب العارض، وصولًا إلى شط البحر، وليلة خميس، ودستور يالساحل الغربي.