يقال انه سيد الشجن الساكن في حكايا الناس فوزي محسون، أو سيد درويش الأغنية السعودية هو أهم أعمدة الغناء والفن الحجازي على الإطلاق، يعتبر أول من غير في القوالب الفنية والموسيقية السائدة وجدد فيها في الجزيرة العربية، بزغ في الستينات الميلادية من القرن السابق وتكمن ريادته في مزج الألحان الموسيقية البديعة من الألوان الحجازية كالدانات والمجرور والحجازي والعدني على آلات العود والقانون السمسمية بالمفردة الحجازية الدارجة البسيطة، وقد شكل في هذا الجانب ثنائيا ذهبيا مع الشاعرة ثريا قابل ومع الشاعر الغنائي صلاح جلال، فوزي محسون منجز فني وغنائي وموسيقي غزير يتخطى السبعمائة عمل، تأثر بمحمد عبد الوهاب وكان أستاذه الأول العملاق المكي محمد علي السندي وعلى يده تلقى فن الموسيقى والمقامات والأنغام واعتبر أستاذ الأجيال المعروفة في الأغنية السعودية مثل محمد عبده وعبادي الجوهر وعلي عبد الكريم وعبد المجيد عبد الله. فوزي محسون سيد الشجن ولد عام (1925م) هو من مواليد مكةالمكرمة تلقى فك الحرف كما يقال في (الكتاب) على يد الشيخ علي هلال بحارة الشام خلف منزله والتحق بعد ذلك بالمدرسة الرشيدية الابتدائية حتى عام (1968م)، حيث أكمل المرحلة الدراسية بحصوله على الشهادة وللتقوية في الدراسة انتظم طالبا في مدرسة الإصلاح الليلية حتى أواخر عام( 1370ه1)، حيث بدأت المرحلة العلمية فالتحق ملازما بإدارة البرق والبريد والهاتف والسنترال كما كانت تسمى آنذاك واستمر في عمله إلى أن أحيل للتقاعد في عام (1407ه). وذهب فوزي ينمي موهبته بالسماع إلى أغنيات الأستاذ محمد عبد الوهاب فحفظها وأجادها كما كان قارئا نهما لأمهات الكتب ليصقل لغته الراقية وقدرته على التحدث والمناقشة وليضيف لجمال أخلاقه وسماحته وحسن التعبير الذي انعكس أثره على تكوين شخصيته الفنية من خلال حرصه على اختيار الكلمة واللحن ومطاردة أصحاب الكلمة الجميلة التي تعبر عن روح الحجاز وبساطة ساكنيه . ويعود الفضل في تبني موهبته التي برزت في طفولته إلى أخيه (عبد العزيز محسون) الذي احتضن موهبته الفنية ونماها وأشرف عليها ورعاها موفرا لفوزي كل ما يحتاجه حتى انه ابتاع له مذياعا ليتسنى لهذا الطفل المولع بالغناء الاستماع للاغاني كبار الفنانين آنذاك ولذلك سمي المذياع حينها بصندوق الغناء، وكان يرى في أخيه عبد العزيز الرجل المثالي ومستشارا له في كل خطوة يخطوها معتبراً أخاه المعلم الأول له.بدأت مسيرته الفنية عام ( 1370ه) غنى عبر الاسطوانات التي كانت تسمى في تلك الفترة (البيكاب)ونجح نجاحا منقطع النظير فأقبلت عليه مؤسسات الانتاج وتهافتت عليه لتقديم أعماله للناس الذين أحبوه فالجمل التي كان يغنيها ويهتم بها محسون لم تكن تخرج عن دائرة الشعبية المفهومة للكل بالإضافة إلى صوته الحنون الذي عشقه الجميع وعن بدايته كيف كانت قال فوزي: (أن بدايتي الفنية كان السبب الأول فيها الشاعر المبدع لطفي عقيل زيني، حيث كنا زملاء في عمل واحد وكانت تلك الفترة هي بديات الفنان لطفي في مشواره في كتابة الأغنية ويعلم لطفي بان الغناء يستهويني، حيث طلب مني ان أغني في أمسية، بعد أن عرض علي بعض الأغاني التي كتبها أن أغنيها وأصر علي وقام بتشجيعي، وبعد أن احس بالتردد في أخذ القرار بسبب وضعي العائلي والإقدام على فكرة الغناء قام بتلحين أغنية (نور الصباح)، وبالفعل تم ذلك وسجلتها في الإذاعة بصوتي واستطعت تلحين الاغنية في الوقت الذي لا أجيد العزف على العود) . المحطه الثانية والاهم هي لقاؤه مع الفنان محمد علي سندي الذي يعتبره فوزي معلما له وعن هذا اللقاء قال فوزي: (التقيت بالفنان الكبير محمد علي سندي فسمعني وأبدى استعداداً طيباً بتعليمي، أو بالأصح تعريفي المقامات والأنغام ولكثرة ترددي عليه تعرفت منه على كيفية الغناء الصحيح المصحوب بالعرب الموسيقية وتلوين نوعية الأداء وهذه أكبر مشكلة ممكن تصادف أي مغن في البداية الفنية والفنان محمد علي سندي عزف معي عندما كنت لا أجيد العزف على العود ذلك أثناء تسجيلي بعض أعمالي الغنائية وكان ذلك في بداياتي).بعد أن اشتهر كفنان شعبي كبير بإحيائه حفلات الأفراح والمناسبات في مدينة جدة اتجه إلى الإذاعة التي كانت أول وأهم وسائل الإعلام والانتشار حينها رغبة منه في الانتشار، وكان له قصة تبدو غريبة في عصرنا الراهن، حيث قبل ان يعتمد أي فنان للإذاعة يتوجب عليه اجتياز امتحان لجنة الإجازة كما كانت تسمى حينها وفعلا دخل الفنان الشاب آنذاك هذا الامتحان أمام اللجنة المكونة من الراحل مطلق الذيابي الإعلامي والشاعر والفنان المعروف - رحمه الله - وزيني عبد الغفار عازف القانون والصحافي البارز في تلك الفترة وعازف الكمان الفنان الراحل جمال مرادني - رحمه الله - وعازف الكمان والموسيقى المعروف عبد الله ماجد، كان ذلك في العام (1384ه) مبتدئا امتحانه بأغنية (سبحانه وقدروا عليك) وأغنية (متعدي وعابر سبيل) وكلا العملين من ألحانه وكلمات ربيب عمره ومشواره الراحل صالح جلال وكانت المفاجأة الكبرى بان اللجنة الرباعية رفضت إجازة لونه وصوته باعتباره باهتاً وانه لون شعبي، بينما يقول مطلق:(أننا نريد أصوات (ستايل) مثل طلال مداح الذي كان ظهر قبل تجربة فوزي، وعلى الرغم من هذا الرفض من لجنة الإجازة واصل فوزي عمله في الحفلات والأفراح في كل ليلة، بينما يواصل عمله الحكومي في البريد حتى سمعه مدير محطة تلفزيون جدة الاعلامي المخضرم محمد حيدر مشيخ الذي طلب منه المشاركة في البرنامج الشهير مسرح التلفزيون الذي كان يقدمه التلفزيون وبتشجيع وتأثير من طلال مداح الذي أصبح صديقا مقربا جدا من فوزي، بالفعل شارك فوزي في العام 1386ه وحقق نجاحا كبيرا عبر الشاشة كأول فنان يبدأ من بوابة التلفزيون إلى الإذاعة وليس العكس، بعد تلك النجاحات تلقفت الإذاعة كل أعماله وقدمت له اعتذارا صريحا ودعته للإذاعة والاشتراك في برامجها وصنف (مطرب وملحن درجة أولى). كون مع الشاعر صالح جلال وثريا قابل ولطفي زيني وطلال مداح رفقة فنية طويلة وقدموا من خلالها مجموعة من الأغاني التي رسمت للغناء في الحجاز لونا آخر، ويعد فوزي صاحب الثنائيات، حيث شكل مع رفيق المشوار صالح جلال ثنائيا جميلا فكتب له جلال : متعدي وعابرسبيل، عتبي عليك، يا نائم الليل الطويل، حيارى، روح احمد الله، ماشي اسمه مضى، من سنين، يوم اللقاء، مشاوير الهوى، شوية حب، سبحانه، مجرور، يلي انت بكره مسافر، ابغى تذكار، يا متعدي، وغيرها الكثير. كما شكلّ في هذا الجانب ثنائيا ذهبيا مع الشاعرة ثريا قابل وكتبت لفوزي العديد من الاغاني الجميلة التي عاشت بين أزقة جدة وتراثها منها: (ما عشقت غيرك، مهما عني تغيب، اهو يقول لك، حاول كده وجرب، ياللي تمكن هواك، ليش عني تغيب، مين طغاك وغيرها الكثير).