قبل ما يقارب العام استبشرنا خيرًا بإعلان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله- انطلاق الحرب على الفساد في المملكة بلا هوادة لحماية النزاهة ورعاية مصالح المواطنين، وازددنا بشرًا وسعادة بالأمر السامي الذي تلا ذلك القرار بتوجيه هيئة مكافحة الفساد (نزاهة) بتوفير الحماية الكافية للمبلغين عن الفساد من التعرض للانتقام والتضرر لحين صدور نظام حماية المبلّغين الجاري العمل عليه. تفاصيل الأمر السامي أو حتى مكونات النظام القادم لا نعلم كنهها أو ما ستؤول إليه بالتفصيل، لكنها ارتكزت بمجملها على نوعين محددين من الفساد العام هما الفساد المالي والفساد الإداري. ما فهمته أنا من الأمر السامي المتعلق بحماية المبلّغين، هو أن الشخص الذي يبلّغ عن فساد مالي أو إداري ويتعرض لتضرر أو انتقام أو عقوبة نتاج التبليغ، فعلى هيئة مكافحة الفساد الوقوف معه حتى يستعيد حقوقه، بغض النظر عما إن كان التبليغ بالأساس قد كان للهيئة أو لجهات أخرى، وما ورد في تصريحات هيئة نزاهة حول الأمر السامي فينبئ بأن المعني فقط بهذا الأمر هو من يلجأ للهيئة نفسها للتبليغ لا لجهات أخرى. والحقيقة أن عددًا من التساؤلات الهامة بذات السياق ما زالت عالقة بلا تفسير تؤرقني وغيري أسوقها لكم كالتالي: – ماذا عن الفساد العلمي، الذي يشكل أحد أبرز أنواع الفساد المسكوت عنه في الساحة الأكاديمية والبحثية وأكثرها إضرارًا وتأثيرًا على كافة المستويات الاقتصادية والصحية والمعرفية والاجتماعية؟ ألا يدخل ضمن منظومة الفساد المحاربة في المملكة عبر لجنة وهيئة مكافحة الفساد؟ – ماذا عن القيادات والجهات الرسمية المرتبطة بالبحث العلمي أو التعليم التي تتلقى بلاغات الفساد العلمي ولا تتحرك؟ هل من جهة مخولة بتلقي بلاغات صمتهم عن الفساد وضياع حقوق العباد؟ – ماذا عن المبلّغ عن الفساد العلمي المحتسب الذي آثر التبليغ علانية ليصل صوته لأصحاب القرار بعد أن وُئدت محاولاته الرسمية للتبليغ؟ هل يترك عرضه للانتقام الفردي والاتهامات الكيدية القضائية في غياب الجهة المعنية بحمايته؟ قبل أن يتقافز البعض لوضع ردود عشوائية حول تلك التساؤلات الهامة التي أوردتها، أود أن أشير إلى أنه وعن اطلاع ومتابعة دقيقة لسنوات، فإنه لا يوجد نظام رسمي واحد حتى الآن يحدد قواعد وأسس النزاهة العلمية في المملكة، ولا هيئات أكاديمية عليا مستقلة محايدة لمتابعة بلاغات الفساد العلمي التي تدور بالأوساط العلمية والبحثية كما يحدث ببقية العالم، وأن المبلّغ عن الفساد العلمي مغبون في مؤسساتنا التعليمية والبحثية، متجاهل في وزاراتنا، والمستفيد الأكبر من ذاك القصور هو الفاسد وأتباعه. الفساد العلمي حتى وقت كتابة هذا المقال لا يتم التعامل معه بجدية في مملكتنا الحبيبة، ولا يدخل (كما يبدو) في منظومة الحرب على الفساد التي أُعلن عنها في السعودية، والمبلِّغ عن الفساد العلمي (وعن تجربة شخصية) خارج دائرة تنظيم وتشريع حماية المبلّغين عن الفساد التي تمارسها هيئة مكافحة الفساد، فمن تراه يتابع بلاغات الفساد العلمي القائمة ويحمي المبلّغ عن الفساد العلمي في وطني؟ * [email protected]