ليست المرّة الأولى، ولكنّها بالتأكيد مختلفة تمامًا، تكشف لنا أبعاد أفكار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي استطاع أن يغيّر وجه السعودية، ويطلق ربيعها الدائم، بعنفوان وتركيز على الأهداف، وإلمام بضرورات المرحلة، واحتياجات المنطقة، فضلًا عن إلمامه بقوّة بلاده، وما تمتلكه من قدرات ومقدرات. وواجه الأمير محمد بن سلمان، ملفات عدة في حوار حصري مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أجراه الإعلامي المخضرم توماس فريدمان، في الرياض، تحت عنوان "محمد بن سلمان ربيع السعودية"، من بينها الملف الإيراني، وقضايا الفساد المالي التي أرّقت العالم، ورؤيته للوطن الشاب، وبزوغ شمسه في العالم. وأكّد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حتمية مواجهة تصرفات إيران العدائية كافة، والتي يخشى العالم أن تحمل الخراب وعدم الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط، والتي بدورها تتحكم سياسيًّا واقتصاديًّا في جزء كبير من الملفات العالمية. خامنئي هتلر جديد: وصف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، بأنه "هتلر جديد"، يهدّد أمن واستقرار العالم، على غرار ما قام به الزعيم النازي إبان الحرب العالمية الثانية، منتصف القرن الماضي، مشددًا على ضرورة مواجهة هذا التوسع. وقال ولي العهد خلال لقائه مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية: إنَّ "التوسع الإيراني في ظل قيادة خامنئي لابد من مواجهته بشكل حازم"، لافتًا إلى أنه "لا جدوى من الترضية في هذا الملف". لا استرضاء للملالي في الشرق الأوسط ولبنان: وأضاف ولي العهد خلال حواره: "تعلمنا مما حدث في أوروبا أنَّ الاسترضاء لا يفيد، ولا نريد من هتلر الجديد في إيران تكرار ما حدث في أوروبا بالحرب العالمية الثانية في الشرق الأوسط". وأصرَّ ولي العهد على أنَّ "النتيجة النهائية لاستقالة سعد الحريري، التي أعلن تريثه في تقديمها أخيرًا، هي أنّه لن يستمر في توفير غطاء سياسي لحكومة لبنانية تخضع لسيطرة حزب الله اللبناني الشيعي، الذي تسيطر عليه طهران أساسًا". السير على قدم وساق باليمن: وأشار ولي العهد، خلال حواره، إلى الأوضاع في اليمن، مؤكدًا أنَّ "الحرب تسير في صالح اليمن، وأنَّ حلفاءها يسيطرون على 85% من الأراضي اليمنية في الوقت الراهن". ولفتت الصحيفة في هذا السياق، إلى أنَّ ولي العهد، اعتبر في وقت سابق، ضلوع إيران في مد جماعة الحوثي الإرهابية بالصواريخ الباليستية بعيدة المدى، والتي استهدف أحدها مطار الرياض مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بمثابة إعلان للحرب على المملكة، متوعدًا بألا يسمح بتكرار ذلك مجددًا. إعادة الإسلام لأصوله: وفي شأن تصريحه بالعودة إلى الإسلام الوسطي المتسامح، أوضح الأمير محمد بن سلمان أنَّ "المملكة العربية السعودية كانت مكانًا مفتوحًا للتفاعل بين الرجال والنساء، مع احترام الديانات الأخرى، ويبدو أنَّ هذا تغير في عام 1979 مع مصادرة المسجد الكبير". ولفتت الصحيفة، في شأن الإصلاحات الداخلية التي تقوم بها المملكة إلى أنَّ من بين بعض الإصلاحات، السماح للمرأة بالقيادة وتوسيع نطاق مشاركتها في العمل المجتمعي، كما أكد وزير التعليم أن البلاد تعيد جميع الكتب المدرسية وترسل 1700 مدرس سنوي للتدريب الخاص في بلدان مثل فنلندا. وذلك بأنه، وللمرة الأولى، سيكون للفتيات في المدارس الحكومية دروس في التربية البدنية. وأبرز الصحافي الأميركي الشهير، فريدمان أنَّ ولي العهد قال له: "لا تكتب أننا نعيد تفسير الإسلام، نحن نعيد الإسلام إلى أصوله". قضايا الفساد التي أرّقت العالم: ونفى الأمير محمد بن سلمان، أن يكون احتجاز عشرات الأمراء في فندق ريتز كارلتون، كان جزءًا من صراع على السلطة، مشيرًا إلى أن "ذلك أمر سخيف، فمعظم العائلة المالكة كانت وراءه بالفعل". وبيّن أنَّ "المملكة العربية السعودية عانت كثيرًا من الفساد منذ الثمانينات وحتى اليوم". وأوضح أنّه "وفقًا لحسابات الخبراء السعوديين، فإنَّ حوالي 10% من إجمالي الإنفاق الحكومي يعود إلى ارتفاع مستويات الفساد، وأنه على مر السنين أطلقت الحكومة العديد من المعارك ضد الفساد، وكلها فشلت؛ لأنها بدأت من القاع فصاعدًا". وأكّد ولي العهد، إمكان "التوصل إلى اتفاقات مع المحتجزين، الذين يتوقع أن يسددوا للحكومة السعودية ما لا يقل عن 100 مليار دولار"، مشيرًا إلى أنَّ "العديد من الأمراء المحتجزين أعلنوا بالفعل ولاءهم له، ولإصلاحاته، وأنَّ غالبية المملكة خلفي". 95% من متّهمي الفساد يبحثون سبل التصالح مع الدولة: وأضاف سموّه: "رأى والدي أنه لا توجد طريقة يمكننا البقاء من خلالها في مجموعة العشرين، إضافة إلى تحقيق النمو مع هذا المستوى من الفساد، وفي أوائل عام 2015، كان واحدًا من أوامره الأولى لفريقه بجمع كل المعلومات عن الفساد، لاسيما في الطبقات العليا من المجتمع، أي رجال الأعمال والأمراء والوزراء، وعمل هذا الفريق لمدة عامين، حتى جمع المعلومات الأكثر دقة، ثم جاؤوا بحوالي 200 اسم". وأردف: "حوالي 1% قادرون على إثبات سلامة موقفهم المالي، وحوالي 4% يقولون إنهم ليسوا فاسدين، وإن محاميهم يريدون الذهاب إلى المحكمة"، مؤكدًا أنّه "لا طريقة للقضاء على الفساد إلا من الأعلى إلى الأسفل، ولذلك فإن عليك أن ترسل إشارة، وتلك الإشارة تعمل الآن جيدًا، وهي تقول (إنك لن تهرب)، ونحن نشهد بالفعل تأثير ذلك". تأييد شعبي لمكافحة الفساد: وأشار فريدمان، إلى أنه- على مدار رحلته التي استغرقت 3 أيام في المملكة- لم يعثر على أي رأي في حملة الفساد سوى التأييد، فجميع من تحدث إليهم في المملكة كانوا خلف حملة تطهير البلاد من الفساد بطريقة شفافة وعادلة، مؤكدًا أنَّ "مكافحة الفساد تعد ثاني إجراءات ولي العهد غير الاعتيادية خلال هذا العام، والتي كان أولها إعادة الإسلام إلى صورته المعتدلة، والتي أكدها الأمير محمد بن سلمان في منتدى مستقبل الاستثمار الشهر الماضي". فخر الشباب وهوية جديدة للمملكة: وقال الكاتب الأميركي: إن "حديثه مع بعض الشباب أكّد له أن هناك حالة فخر واضحة بكل ما يجري في المملكة، لاسيّما في شأن الإصلاحات، فهناك سيدة سعودية في ال30 من عمرها، أكدت له فخرها الكبير بأنها من الجيل الذي شهد فترات ما قبل وبعد الإصلاح". وأبرز أنَّ "هناك أجيالًا كثيرة عاشت من أجل أن ترى تلك الأيام في المملكة، والتي يقودها ولي العهد نحو التغيير والحداثة بشكل واضح وبشفافية كبيرة في تطهير الفساد". ولفت إلى أنَّ "هذا الإصلاح دفع العديد من الشباب للفخر ببلادهم وقيادتهم، لاسيّما أنهم يرون شاب مثلهم يقود المملكة نحو أنماط الحداثة التي يطلعون عليها ويدركونها بشكل واضح في العالم، والتي تتعلق بالتكنولوجيا الفائقة ولغة الأرقام ومشاركة المرأة". الحياة قصيرة لتنفيذ ما بذهني: وسأل فريدمان ولي العهد، عن الأسباب التي أسهمت في تغيير ثقافة العمل بالمملكة، بالشكل الذي يجعل البيروقراطيين يعملون بجد، مشيرًا إلى أنهم "يستشعرون بأن في أي ساعة يمكن أن يقوم ولي العهد بالاتصال بهم وسؤالهم عن تنفيذ أمر ما أو توجيه طلب لهم". وهنا ردَّ الأمير الشاب، مبيّنًا أنَّ "الحياة قصيرة للغاية، أخشى أن أموت قبل إنجاز ما في ذهني، الحياة قصيرة جدًّا والكثير من الأشياء يمكن أن تحدث، وأنا حريص جدًّا على أن أراها بعيني، ولهذا السبب أنا متعجل".