مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    انتفاضة جديدة في النصر    ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية 22.8 %    برعاية ولي العهد.. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    «الأرصاد» ل«عكاظ»: أمطار غزيرة إلى متوسطة على مناطق عدة    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ولي العهد»: ربط حملة مكافحة الفساد بانتزاع السلطة «اتهامات سخيفة»
نشر في المدينة يوم 25 - 11 - 2017

فَنَّد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع- الادعاءات التي يروجها البعض بأن حملة مكافحة الفساد التي تقودها المملكة حاليّاً كانت وسيلةً لانتزاع السُّلطة، وقال في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، أجراها الكاتب الأمريكي «توماس فريدمان»: «إنهُ لأمرٌ مُضحك»، أن تقول إن حملة مكافحة الفساد هذه كانت وسيلةً لانتزاع السّلطة.
وأشار إلى أن الأعضاء البارزين من الأشخاص المُحتجزين في الريتز قد أعلنوا مُسبقًا بيعتهم له ودعمهم لإصلاحاته، وأن «الغالبية العُظمى من أفراد العائلة الحاكمة» تقفُ في صفه، وذكر أن 95% من متهمي الفساد قبلوا بإعادة الأموال.
وتحدث - حفظه الله - في المقابلة عن الموقف السعودي من التدخلات الإيرانية في المنطقة، وقال: «المرشد الأعلى الإيراني هو هتلر جديد في منطقة الشرق الأوسط»، كما تطرق إلى عدد من الملفات الداخلية والخارجية الوقت الراهن، بينما حرص فريدمان على عرض بعض من أجواء الحوار، وانطباعاته عن المقابلة، وذكر أن أهم عملية إصلاح في الشرق الأوسط اليوم تقع في المملكة العربية السعودية خلافاً للربيع العربي الذي شهدته الدول العربية فإن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يقود التغيير من أعلى إلى أسفل، وأوضح أنه لن يغير الشخصية السعودية، بل كذلك سيعيد النموذج الإسلامي المعتدل.. فإلى أجواء الحوار:
«لم يخطر ببالي قط أنني سأعيش بما فيه الكفاية لأشهد اليوم الذي يتسنى لي فيه كتابة الجملة التالية: تشهد السعودية اليوم عملية الإصلاح الأكثر أهمية مقارنةً بأي بُقعةٍ من بقاع الشرق الأوسط. نعم، فأنتم تقرؤون ما كتبتهُ بشكلٍ صحيح. وبالرغم من أني جئت للسعودية أثناء بداية فصل الشتاء فيها، إلا أنني قد وجدت البلاد تمُر بربيعها العربي، على النمط السعودي.
وعلى خلاف أي ربيعٍ عربي في مختلف البلدان الأخرى – التي ظهرت جميعُها من الطبقة الأدنى إلى الأعلى وفشلت بشكلٍ فادح، ما عدا ذلك الذي حدث في تونس - يقود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 32 عامّاً حركة الربيع العربي هذه بدءاً بعلية القوم ونزولًا إلى من دونهم من الأعلى إلى الأدنى، وفي حال أتت ثمارها، فإنها لن تقلب موازين السعودية فحسب بل إنها ستغير أيضاً معنى ومفهوم الإسلام في جميع أرجاء العالم - والأحمق فقط هو من لا يقف في صف هذه الحركة.
ولكي أتمكن من فهم المسألة بشكلٍ أفضل، توجهت مسافرًا إلى الرياض لمُقابلة ولي العهد، الذي يعرف عادةً ب»إم بي إس» والذي لم يتطرق أبداً للأحداث الاستثنائية التي حصلت هُنا في مطلع شهر نوفمبر، حينما قامت حكومته بإلقاء القبض على عشرات الأمراء ورجال الأعمال السعوديين بتُهمٍ تتعلق بالفساد، ومن ثم وضعهم في سجنٍ فاخرٍ مؤقت - فندق الريتز كارلتون - إلى أن يوافقوا على تسليم مكاسبهم غير المشروعة. وإنهُ لمن النادر جدّاً أن نشهد مثل هذا الحدث.
حديث بالإنجليزية
ولقد التقينا مساءً في قصر عائلته ذي جُدران الطوب في حي العوجا شمال الرياض. وقد كان «إم بي إس» يتحدث باللغة الإنجليزية، في حين تشارك أخوه الأمير خالد - سفير السعودية الجديد لدى الولايات المتحدة - وعدد من كبار الوزراء أطباقًا مُختلفة من لحم الضأن، وأضافوا للحديث رونقًا خاصّاً. وبعد أن قضينا أربع ساعاتٍ سوية، استسلمتُ عند الساعة 1:15 صباحاً لعنفوان شباب الأمير محمد بن سلمان – ويجدر الذكر بأن عُمري ضعف عُمره. ومع ذلك، فقد مر وقتٌ طويلٌ جدّاً منذ أن تكلم معي أي زعيمٍ عربي بسيلٍ عارمٍ من الأفكار الكبيرة التي ترمي إلى إحداث نقلةٍ في بلاده.
ما الذي يحدثُ في فندق الريتز؟
ولقد بدأت بتوجيه السؤال الواضح، ألا وهو: ما الذي يحدثُ في فندق الريتز؟
قال: «إنهُ لأمرٌ مُضحك، أن تقول بأن حملة مكافحة الفساد هذه كانت وسيلةً لانتزاع السّلطة». وأشار إلى أن الأعضاء البارزين من الأشخاص المُحتجزين في الريتز قد أعلنوا مُسبقًا بيعتهم له ودعمهم لإصلاحاته، وأن الغالبية العُظمى من أفراد العائلة الحاكمة تقفُ في صفه».
وأضاف ولي العهد: «هذا ما حدث، فلطالما عانت دولتنا من الفساد منذ الثمانينات حتى يومنا هذا. وتقول تقديرات خُبرائنا إن ما يُقارب 10% من الإنفاق الحكومي كان قد تعرض للاختلاس أو الهدر منذ بداية الثمانينيات بواسطة الفساد، من قبل كلتا الطبقتين: العُليا والكادحة. وعلى مر السنين، كانت الحكومة قد شنت أكثر من حربٍ على الفساد، ولكنها فشلت جميعاً. لماذا؟ لأن جميع تلك الحملات بدأت عند الطبقة الكادحة صعودًا إلى غيرها من الطبقات المرموقة.
ولذلك، فإنهُ عندما اعتلى والده - الذي لم يسبق وأن اشتبه به بتهم تتعلق بالفساد على مر الخمسة عقود التي كان فيها أميراً لمدينة الرياض - سُدة العرش في العام 2015م - في الوقت الذي كانت أسعار النفط فيه مُنخفضة - قام بقطع عهد على نفسه بوضع حدٍّ لهذا كُله».
العشرين ومكافحة الفساد
وقال محمد بن سلمان: «رأى والدي أنهُ ليس من المُمكن أن نبقى ضمن «مجموعة العشرين» في حين تنموُ بلادنا بهذا المُستوى من الفساد. ففي وقتٍ سابق من العام 2015م كانت أول الأوامر التي أعطاها والدي لفريقه هي جمع كل البيانات المُتعلقة بالفساد لدى الطبقة العُليا. ولقد ظل الفريق يعمل لمدة عامين كاملين حتى توصلوا لجمع هذه المعلومات الأكثر دقةً، ومن ثم جاءوا بنحو 200 اسم».
وعندما كانت جميع البيانات جاهزة، اتخذ النائب العام، سعود المعجب، الإجراءات الازمة، وقال محمد بن سلمان، موضحًا أن كل من اشتبه به سواء كان من أصحاب المليارات أو أميرًا فقد تم القبض عليه ووضعه أمام خيارين: «لقد أريناهم جميع الملفات التي بحوزتنا وبمُجرد أن اطلعوا عليها، وافق ما نسبته 95% منهم على التسويات»؛ الأمر الذي يعني أن عليهم دفع مبالغ مادية أو وضع أسهم من شركاتهم في وزارة المالية السعودية.
لا تدخل في القضاء
وأضاف: «استطاع ما نسبته 1% من المُشتبه بهم إثبات براءتهم، وقد تم إسقاط التهم الموجهة لهم في حينها. وقرابة 4% قالوا إنهم لم يشاركوا في أعمال فساد، ويُطالب مُحاموهم باللجوء إلى المحكمة. ويُعتبر النائب العام، بموجب القانون السعودي، مُستقلّاً. فلا يمكننا التدخل في عمله - ولا أحد سوى الملك يستطيع إقصاءه، ولكنه هو من يقود العملية الآن.. ولدينا خُبراء من شأنهم ضمان عدم إفلاس أي شركة من جراء هذه العملية» – وذلك لتجنب إحداث أي عطالة.
مردود التسويات
ويقول فريدمان: وجهتُ سؤالًا قُلت فيه: «كم من المال سيُعيدون إليكم؟»
قال الأمير محمد بن سلمان: «إن النائب العام يقول: إنهُ من الممكن في نهاية المطاف أن يكون المبلغ حوالى 100 مليار دولار أمريكي من مردود التسويات».
وأضاف: «ليس هُنالك من طريقةٍ يمكن من خلالها القضاء على الفساد في جميع الطبقات؛ لذلك فإنهُ عليك أن تُرسل إشارة، والإشارةُ التي سيأخذها الجميع بجدية هي أنك لن تنجو بفعلتك. ولقد شهدنا تأثيرها بالفعل وما زلنا نشهده»، وضرب مثالًا لما قاله أحدهم في مواقع التواصل الاجتماعي: «اتصلتُ بوسيطي لإنهاء معاملاتي المعلقة بالحكومة، ولكنه لا يجيب على اتصالاتي». ولم تتم مُقاضاة رجال الأعمال السعوديين الذين يدفعون الرشاوى لإنجاز مصالحهم الشرعية من قبل البيروقراطيين الذين قاموا بابتزازهم، وأوضح «إم بي إس» قائلًا: «أولئك الذين تم القبض عليهم هم من اجتثوا أموال الحكومة - من خلال رفعهم الأسعار وحصولهم على الرشاوى».
والمخاطر التي تواجه الأمير محمد بن سلمان في حملة مكافحة الفساد هذه عاليةٌ جدّاً. فإذا ما أحس الشعب بأنهُ بالفعل يقوم بمكافحة الفساد الذي لطالما عطل النظام، وأنهُ يقوم بذلك وفقًا لطريقةٍ تتسم بالشفافية من شأنها أن توضح للمستثمرين السعوديين والأجانب في المستقبل أن النظام سيسود على الكُل- فإن الشعب سيضع الكثير من الثقة الجديدة في الحكومة.
دعم شعبي للحملة
ولكن الشيء الوحيد الذي أنا متيقن منه هو أن: «كل من تحدثت إليه من السعوديين دون استثناء على الأيام الثلاثة التي قضيتها هُنا قد أعرب عن دعمه المُطلق لحملة مكافحة الفساد هذه. ومن الواضح أن الغالبية السعودية الصامتة قد سئمت من جور العديد من الأُمراء وأصحاب المليارات الذين سرقوا أموال دولتهم. وحين كان الأجانب، مثلي، يستفسرون عن الإطار القانوني لهذه العملية، كانت مشاعر السعوديين الذين تحدثتُ إليهم تُشيرُ إلى قلب جميع هؤلاء المُفسدين رأسًا على عقب، وخضهم حتى تتساقط الأموال من جيوبهم ولا تتوقفوا عن ذلك حتى تنفذ جميع الأموال!»
ولكن خمنوا ماذا؟ إن حملة مكافحة الفساد هذه ليست سوى ثاني أكثر المُبادرات غير الاعتيادية والمُهمة التي شنها الأمير محمد بن سلمان، فقد كانت المُبادرة الأولى ترمي إلى إعادة الإسلام السعودي إلى أصوله الأكثر انفتاحًا واعتدالًا –
والذي تم تحريفهُ في عام 1979. وهذا هو، ما وصفه الأمير محمد بن سلمان في المؤتمر العالمي للاستثمار والذي عُقد مؤخرًا هُنا في الرياض على أنهُ «إسلام معتدل ومتوازن، ينفتح بدوره للعالم وللديانات الأُخرى ولجميع التقاليد والشُعوب».
أعرف ذلك العام جيداً. فلقد بدأت مسيرتي بالعمل كمُراسلٍ في الشرق الأوسط في مدينة بيروت في العام 1979م، وكانت معظم المنطقة التي غطيتُها منذ ذلك الوقت قد تشكلت على يد الأحداث الكُبرى الثلاث التي وقعت في ذلك العام: استيلاء المُتطرفين السعوديين ذوي الأفكار المُتزمتة على المسجد الحرام في مكة المكرمة - الذين اتهموا العائلة الحاكمة في السعودية بأنها فاسدة، وأنهم كفرةً مُنصاعين للقيم الغربية؛ والثورة الإسلامية الإيرانية؛ وأخيراً الغزو السوفييتي لأفغانستان.
إن محمد بن سلمان في مهمةٍ لإعادة الإسلام السعودي إلى الاعتدال؛ إذ إنه لم يكتف بكبح تجاوزات سلطة الشرطة الدينية السعودية فحسب - التي كانت تبث الرعب في النفوس سابقًا - وعرفت بتمكنها وقدرتها على توبيخ النساء، بل إنه سمح للنساء بالقيادة. وعلى النقيض من أي زعيمٍ سعودي قد سبقه، فإن الأمير محمد واجه المتشددين أيديولوجيّاً. إذ أخبرتني امرأة سعودية تبلغ من العمر 28 عاماً قد تلقت تعليمها في الولايات المتحدة: محمد بن سلمان «يستخدم لغة مختلفة؛ حيث إنه يقول: «سوف ندمر التطرف». ولا يستخدم عبارات لطيفة. ويبعث هذا الأمر الطمأنينة في صدري بأن التغيير حقيقي».
إن هذا لصحيح، إذ طلب مني محمد بن سلمان قائلاً: «لا نقول إننا نعمل على إعادة تفسير الإسلام - بل نحن نعمل على إعادة الإسلام لأصوله، وإن سنة النبي محمد هي أهم أدواتنا، فضلا عن الحياة اليومية في السعودية قبل عام 1979م». وذكر الأمير بن سلمان أنه في زمن النبي محمد، كان هناك الرجال والنساء يتواجدون سويًّا، وكان هناك احترام للمسيحيين واليهود في الجزيرة العربية. كما أوضح قائلاً: «لقد كان قاضي التجارة في سوق المدينة المنورة امرأة!». وتساءل الأمير قائلًا: «إذا كان خليفة النبيِّ عمرُ قد رحب بكل ذلك، فهل يقصدون أنه لم يكن مسلماً!».
نشر الاعتدال
وإذا ما تمكنت السعودية من معالجة فيروس التطرف الإسلامي الذي يُعادي تعدد الآراء ويكن الكره للنساء - والذي تفشى بعد عام 1979م - فإنها ستتمكن من نشر الاعتدال في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ومن المؤكد أن ذلك سيكون موضع ترحيب في السعودية، والتي يُشكل الشباب فيها تحت سن 30 عاماً ما نسبته 65% من السكان.
إصلاحات تعليمية
ومن جانبه، أوضح وزير التعليم السعودي أنه يعمل على مجموعة واسعة من الإصلاحات التعليمية، والتي تشمل تغيير وتحويل جميع الكتب المدرسية إلى كتب رقمية، وإرسال 1700 معلم سعودي سنوياًّ إلى المدارس العالمية، في أماكن مثل فنلندا؛ بغية تطوير مهاراتهم، والإعلان عن أن الفتيات السعوديات سوف يحظين بحصصِ التربية البدنية للمرة الأولى في المدارس الحكومية، وإدخال ساعة إضافية في اليوم الدراسي في المدارس السعودية للأطفال؛ بغية تمكينهم من اكتشاف شغفهم في العلوم والقضايا الاجتماعية، من خلال عملهم على مشاريعهم الخاصة، والتي ستكون تحت إشراف المعلمين.
لقد جاء كثير من هذه الإصلاحات متأخراً جدّاً لدرجة مثيرة للسخرية، ومع ذلك، فإنها «أن تأتي متأخرةً خيرٌ من ألا تأتي أبداً».
السياسة الخارجية
أما ما يخص جانب السياسة الخارجية، ففضل محمد بن سلمان عدم مناقشة الغرائب الحاصلة مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري؛ بمجيئه إلى السعودية وإعلانه عن استقالته - على ما يبدو أنها جاءت بسبب ضغوط سعودية - وعودته الآن إلى بيروت وتراجعه عن استقالته؛ إذ أصر ببساطة على أن خلاصة القضية تتمحور حول «أن الحريري، وهو مسلمٌ سني- لن يستمر في توفير غطاء سياسي للحكومة اللبنانية التي تخضع بشكل رئيس لسيطرة ميليشيا حزب الله الشيعية اللبنانية، والتي بدورها تخضع بشكل رئيس لسيطرة طهران.
كما شدد على أن الحرب المدعومة سعوديّاً في اليمن، والتي تُعد كابوساً إنسانيّاً، تميل كفتها لصالح الحكومة الشرعية الموالية للسعودية هناك، والتي قال إنها تُسيطر الآن على 85%
من البلاد، إلا أن قيام المتمردين الحوثيين الموالين لإيران - الذين يُسيطرون على بقية أراضي البلاد - بإطلاق صاروخ على مطار الرياض- يعني أنه، إذا لم يتم السيطرة على كامل البلاد، فإن ذلك سيُمثل مشكلةً.
بدا لي أن وجهة نظره العامة تنص على أنه بدعم من إدارة ترامب - لقد أشاد بالرئيس ترامب، إذ وصفه ب «الرجل المناسب في الوقت المناسب» - فإن السعوديين وحلفاءهم العرب يعملون ببطء على بناء تحالفٍ للتصدي لإيران- إلا أنني لدي شكوكي؛ إذ إن حالتي الاضطراب والتنافس الواقعتين في العالم العربي السني قد حالتا دون تشكيل جبهة موحدة حتى الآن؛ ولهذا السبب تسيطر إيران اليوم بشكل غير مباشر على أربع عواصم عربية - وهي دمشق وصنعاء وبغداد وبيروت. وهناك من يرى أن محمد بن سلمان يبالغ في معاداته وانتقاداته اللاذعة للمرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي.
أبرز انطباعات فريدمان أثناء تدوين الحوار
* محمد بن سلمان يقود التغيير من أعلى إلى أسفل.
* سيعيد النموذج الإسلامي المعتدل.
* المملكة تشهد أهم عملية إصلاح في الشرق الأوسط.
* الحوار استمر 4 ساعات ودار باللغة الإنجليزية.
هتلر جديد
قال لي محمد بن سلمان: «إن المرشد الأعلى الإيراني هو هتلر جديد في منطقة الشرق الأوسط». وأضاف قائلاً: «غير أننا تعلمنا من أوروبا أن الاسترضاء في مثل هذه الحالة لن ينجح. ولا نريد أن يُكرر هتلر الجديد في إيران ما حدث في أوروبا هنا في الشرق الأوسط». وشدد على أن كل شيء تفعله السعودية محليّاً يهدف لبناء قوتها واقتصادها.
لقد منح هذا الجهد الإصلاحي للشباب هنا مصدر فخر جديد لبلادهم؛ إذ إنه منحهم هوية جديدة، وهو ما يستمتع به الكثير منهم بوضوح تام. واعترف الشباب السعوديون بأنهم كان يشعرون دوماً بنظرة الناس لهم كإرهابي محتمل أو شخص قادم من دولة عالقة في العصر الحجري، عندما كانوا طلاباً في فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
أما الآن فلديهم قائد شاب يقود إصلاحات دينية واقتصادية، ويتحدث لغة التكنولوجيا المتقدمة جدّاً، وقائدٌ لا ذنب له إلا في رغبته بالانطلاق بسرعة فائقة للمستقبل. وجديرٌ بالذكر أن معظم الوزراء الآن في الأربعينات من عمرهم - وليسوا في الستينات من عمرهم. وفي ظل رفع اليد الخانقة للتطرف، فإن ذلك يمنحهم فرصة للتفكير بطريقة جديدة عن بلدهم وهويتهم باعتبارهم سعوديين.
أخبرتني صديقتي السعودية التي تعمل لدى منظمة غير حكومية قائلةً: «يجب علينا أن نُعيد ثقافتنا لما كانت عليه قبل تولي الثقافة المتطرفة، لدينا 13 منطقة في هذه البلاد،. هل تعلم أن كل منطقة في السعودية تمتلك مطبخاً خاصّاً بها. ولكن لا أحد في العالم يعرف أكلاتنا الشعبية. هل كنتَ تعرف ذلك؟ لم أشاهد قط طبق طعام سعودي يشتهر عالميّاً. لقد آن الأوان لأن نتقبل هويتنا الآن وما كنا عليه».
وللأسف، تضم هوية السعودية أيضاً مجموعةً كبيرةً من السعوديين الأكبر سنّاً يغلب عليهم الطابع القروي والتقليدي؛ مما يعني أن نقل السعودية للقرن الواحد والعشرين يُشكل تحدياً. وهذا الأمر يُعد السبب جزئيّاً وراء عمل كل بيروقراطي رفيع لساعات طويلة جدّاً؛ إذ إنهم يُدركون أن محمد بن سلمان قد يتصل بهم في أي وقتٍ من تلك الساعات؛ لمعرفة ما إذ كان طلبه يتم العمل على إنجازه؟ وقد أخبرته بأن عادات العمل الخاصة به تُذكرني بنص وَرَد في مسرحية «هاملتون»، عندما يتساءل الجوقة، قائلاً: لماذا يعمل دومًا كأن «الوقت يُداهمه».
فأوضح محمد بن سلمان قائلاً: «لأنني أخشى أنه في يوم وفاتي، سأموت دون أن أحقق ما يدور في ذهني. إن الحياة قصيرة جدّاً، وقد تحدث الكثير من الأمور، كما أنني حريص جدّاً على مشاهدته بأم عيني – ولهذا السبب أنا في عجلة من أمري».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.