سنواتُ الجفافِ لم تمنع عشّاق النصر من مغازلة ناديهم العاصميّ, ولم تقف عائقاً أمام توشّحهم بلونه الأصفر، الذي عادة ما تزدان به المدرّجات, إلى أن بات يوصف من قِبل المتابعين الرياضيين بمدرّج الوفاء. ها هو العالمي يعود مجدداً لبطولة الدوري، التي غاب عنها (19) عاماً. عاد من الباب الكبير بطلاً كما هو، دون أن تتزعزع هيبته, أو تتراجع جماهيريّته، كحال كثير من الأندية التي تخلّت عنها جماهيرها، بعد أن غابت عن منصّات التتويج. تعالتِ الأصواتُ التي تحاول أن تقلل من قيمته, لكنه أثبت أنه كالذّهب الذي لا يصدأ, يظل محتفظاً بجوهره إلى الأبد. (25) جولّة في الدوري كفيلة بأن تمنح النصّر بطولة غالية, لتكون رداً لمن كان يصف العالمي بأنه نادٍ لا يمتلك النفس الطويل، الذي تحتاجه بطولات الدوري, ولم يكتفِ النصر بتحقيق اللقب فحسب, بل اقترن ذلك الإنجاز بالمستوى المميّز داخل المستطيل الأخضر, إلى جانب الرقي في التعامل الإعلامي والتصريحات المتزنة، التي يظهر بها رئيس النادي الأمير فيصل بن تركي, ليكون في هذا الموسم مدرسة على الصعيدين الفني والإعلامي. آخر بطولة للدوري حققها النصر كانت عام 1415ه, برئاسة الرمز الراحل الأمير عبدالرحمن بن سعود, الذي أفنى حياته خدمة للكيان الأصفر, ليأتي “كحيلان” ويثبت بأنه خليفة الرّمز بكل اقتدار, ونجاحه لم يكن بضخه للأموال فحسب, وإنما اقترن ذلك الازدهار المالي بالفكر الإداري الناجح, والمنظومة الفنيّة المميزة, واللاعبين الطموحين, كل ذلك –وأكثر- أثبت أن مراهنة الجماهير النصراويّة على رئيسها لم تأتِ من فراغ, ولم تخرج خالية الوفاض. الأرقام والإحصاءات -التي تكشف عنها مواجهات الدوري هذا الموسم- تؤكد أحقيّة جماهير النصر بالاحتفاء بناديها والفخر به. العالمي أحرز (59) هدفاً في (25) مواجهة, بمعدل يتجاوز الهدفين في المباراة الواحدة, كأقوى هجوم بالتساوي مع الهلال, ودفاعه كذلك هو الأقوى في الدوري, حيث لم تستقبل شباكه سوى (20) هدفاً, بمعدل يقل عن الهدف الواحد في كل مباراة, والأرقام مع النصّر في هذا الموسم لا تنتهي. العالمي أبهر المتابعين بانتفاضته العاصفة, واقتنص بطولتين (كأس ولي العهد), و(دوري جميل للمحترفين), وضمن تأهله إلى دوري أبطال آسيا في النسخة المقبلة, ولا تزال لأمجاد النصر بقيّة.