الأوامر الملكية تعتلي قمة التدرج التنظيمي في المملكة، باعتبار الأمر الملكي في طليعة أدوات الإصدار، وهو بمثابة النص التشريعي ، وحين يوجد النص التشريعي ، لزم الجهات بدون استثناء منطوقه . وقد صدرت ليلة البارحة أوامر ملكية عديدة ، كانت جميعها بشائر خير على الناس ، أكدت حرص القيادة الحكيمة على توفير الرخاء ، وتمكين الكفاءات الشابة من المساهمة في بناء هذا الصرح الشامخ ، رغم الأحداث الكبيرة التي تعصف بالعالم العربي من حولنا . و لقد تذكرت قول المتنبي : بناها فأعلى والقنا يقرعُ القنا………………وموجُ المنايا حولها مُتلاطِمُ وَمِمَّا أسعد الناس وبعث في نفوسهم الاطمئنان ، الأوامر الملكية بتغيير بعض الوزراء الذين كان جهدهم أقل من طموح القيادة ، وهي رسالة واضحة لغيرهم . ولكن اللافت للنظر ، والذي هو حديث الناس ، ما صدر من أمر ملكي بإحالة وزير الخدمة المدنية للتحقيق بعد إعفائه من منصبه ، وهي حالة فريدة ، أن يعلن إحالة وزير للتحقيق لقاء تقارير من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ( نزاهه) وملاحظات من ديوان المراقبة العامة ، ورغم وجود نظام متكامل لمحاسبة الوزراء ومن في مرتبتهم إلا أنه لم يعلن عبر وسائل الاعلام عن إحالة وزير لهيئة المحاكمة ، ولكون العقوبات هي للردع وليست للقطع وتهدف إلى إصلاح الخلل وبعث رسائل واضحة بأنه لا حصانة لأحد من المساءلة والمحاسبة ، حتى تنهض الدولة بمسؤولياتها ، فقد جاء الأمر الملكي صرخة مدوية في أذن الفساد بأنه لا مقر له بعد الآن ، وأن الملاحقة مستمرة حتى لا يجد من يرعاه ، ويتبناه . وإذا نظرنا إلى الموضوع من الناحية النظامية فإنه يوجد هيئة محاكمة ، ولجنة تحقيق فالمادة العاشرة من نظام محاكمة الوزراء قد أوضحت ان (لجنة التحقيق) تتكون من وزيرين على الأقل أو من في مرتبتهما مع عضو شرعي على رتبة رئيس محكمة كبرى على الأقل ترفع هذه اللجنة تقريرها لمجلس الوزراء خلال مدة 30 يوما. أما (هيئة المحاكمة ) فقد أوضحت المادة الخامسة عشرة انها تشكل من ثلاثة وزراء يرأسهم أكبرهم سناً ، وعضوان شرعيان برتبة رئيس محكمة كبرى على الأقل ، وقبل البدء بالمحاكمة فإن مجلس الوزراء يتخذ قرارا بكف يد المتهم عن العمل حتى تتم محاكمة المتهم ، ويُفصل في أمره ، مع وقف راتبه منذ صدور القرار بكف يده عن العمل ، وتوجد إجراءات احترازية وردت بالنظام ، منها حبس المتهم حبساً احتياطيا حتى انعقاد اول جلسة للمحاكمة إذا رأى مجلس الوزراء ضرورة فعل ذلك، وفق المادة الثالثة عشرة من نظام محاكمة الوزراء ، وفِي حال ثبوت الإدانة على المتهم فقد أوضحت المواد الخامسة والسادسة والسابعة الإجراءات الواجب اتخاذها تجاه من ثبت تورطه وهي : * عزل الوزير من منصبه ، وحرمانه من تولي أي وظيفة عامة أو غيرها . * السجن مددا تتراوح بين 3 إلى عشر سنوات . يجب رد ما أفاده من جريمته ومن المخالفات التي يحاسب عليها الوزراء ومن في مرتبتهم : استغلال المنصب للاستفادة الشخصية للوزير أو لغيره بتوجيه منه ، كذلك الحال إذا خالف الوزير الانظمة واللوائح والأوامر فأدى ذلك إلى ضياع المال العام ، أو ضياع حقوق الأفراد التي أقرها الشرع والنظام . ولهيئة المحاكمة – الحكم بتعويض الضرر الحاصل من تجاوزات الوزير سواء كان المتضرر فردا أو جهة عامة ، وذلك وفقاً لما تنتهي إليه الهيئة الناظرة في المخالفات ، بعد محاكمة نزيهة عادلة . وقد اجمع القانونيون والمحامون والمحللون أن الأمر الملكي بإحالة احد الوزراء للتحقيق معه لقاء تقارير عن مخالفات تمت بعلمه ، هي حالة خطرة على الفساد ، قد ضربته في مقتل ، فبات يدرك انه لا مستقر له في مملكة الحزم. — ——— المحامي والموثق العدلي