كنتُ طفلاً صغيرًا، يسكن إحدى العشوائيَّات في المدينة المنوَّرة، وفَجرًا كنتُ أشاهدُ مندوبَ إحدى الإدارات -عفا الله عنه- وهو يقبضُ المقسومَ من بعض المواطنين؛ حتَّى يغضَّ الطرفَ عن بُنْيَانِهِم الذي يشرعون به، دون حصولهم على التراخيص اللازمة؛ وبهذه الوسيلة قامت أحياء، وأحياء!! ذلك المشهد تذكَّرته، ومجموعة من القرَّاء بعثوا إليَّ يشتكون من أنَّ إحدى المؤسَّسات الخَدمِيَّة، تتعطَّل فيها المعاملات، وتتأخَّر، وتَتَعَقَّد إجراءاتها إلاَّ إذا دُفِعَ لأحد موظَّفيها (رشْوة بطريقة، أو أخرى). وهنا لعلَّ من أسباب بقاء هذا المرض المجتمعي، رغم المحاولات الكثيرة للحَدِّ منه خلال السنوات الماضية: (ضعف الوازع الديني، وانخفاض مستوى الرقابة، وعدم التشهير بمن تثبت عليه جريمة الرشوة، ثمَّ قِلة حوافز الموظَّفين، وتجميد ترقياتهم، وكذلك ضبابيَّة بعض الأنظمة، والخطوات الإجرائيَّة، وحَصْر الصلاحيَّات في موظف محدد). ولأنَّ الرشوةَ داءٌ خطيرٌ من مضاعفاته: (ضياع الحقوق، وصناعة التجاوزات، وهَدر المال العام، وتعطيل مسيرة التنمية)؛ ولأنَّ وطننا يعيشُ مرحلة بناء جديدة، من أركانها: رفع كفاءة الإنتاج، والشفافية، ومحاربة الفساد، فلابدَّ من تعزيز حملات معالجة (الرّشْوة بصورها المختلفة)، بخطوات عمليَّة جادَّة، منها: (التوعية بخطورتها عبر مختلف الوسائل التقليديَّة والحديثة، وعلى كافَّة المنابر الدينيَّة والإعلاميَّة، وكذا منح الموظَّفين حوافزهم وترقياتهم، وتدوير الموظَّفين المتعاملين مباشرةً مع الجمهور، وتشديد عقوبة مَن يمارسون الرشوة، ويقبلونها، وهناك التَّوسع في الخدمات الإلكترونيَّة، ومَيْكَنَة الإجراءات). أخيرًا نظام مكافحة الرشوة في الأنظمة السعوديَّة اعتُمد، ونشرته صحيفة أم القرى الرسميَّة في عددها (رقم 3414، وتاريخ 2/2/1413ه)، أي قبل أكثر من (25 سنة)؛ خلالها طرأت مستجدَّات، وتغيَّرت العديد من المعطيات، ومجلس الشورى في دورته التي انتهت مؤخَّرًا أجَّل مراجعته وتعديله، فلعلَّ ذلك يتمُّ سَريعًا بما يكفل القضاء على ذلكم الدَّاء. ويبقى أعزائي القرَّاء فضلاً هل دفع أحدكم رشْوة؟! وكيف؟! ولماذا؟!. [email protected]