وصف رئيس اللجنة الوطنية للمحامين في المملكة المحامي الدكتور ماجد قاروب؛ جريمة الرشوة بأنها اتجار وإخلال الموظف العام بأعمال وظيفته للحصول على فائدة من أي نوع؛ ماديا كان أو أدبيا أو معنويا وهى قضية عالمية موجودة في كل دول العالم؛ وهي إحدى صعوبات الاصلاح؛ وعندما تنتشر في مكان فهذا يعنى أن الفساد قد انتشر لأنه سيكون هناك تفرقة بين المواطنين، فمن يدفع تلبى مصالحه ومن لا يستطيع تهدر مصالحه، مما يزيد من ظاهرة إثراء الموظف العام دون سبب مشروع الأمر الذي يزعزع أيضا الثقة العامة. وبين الدكتور قاروب في قراءة قانونية لنظام مكافحة الرشوة أن النظام يعاقب كل موظف عام يعمل لدى الدولة؛ أو لدى أحد الأجهزة ذات الشخصية المعنوية العامة سواء كان يعمل بصفة دائمة أو مؤقتة، والمحكم أو الخبير المعين من قبل الحكومة أو أية هيئة لها اختصاص قضائي، وكل مكلف من جهة حكومية أو أية سلطة إدارية أخرى بأداء مهمة معينة. وأبان أن كل شخص عينه المرتشي أو الراشي لأخذ الرشوة وقبل ذلك مع علمه بالسبب يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على خمسين ألف ريال؛ ويترتب على الحكم بإدانة موظف عام أو من في حكمه بارتكاب إحدى الجرائم حكم العزل من الوظيفة العامة وحرمانه من تولي الوظائف العامة؛ ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة المال أو الميزة أو الفائدة موضوع الجريمة؛ متى كان ذلك ممكنا عملا؛ ويعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة الأصلية والتبعية إذا أخبر السلطات بالجريمة قبل اكتشافها وكل من أرشد إلى جريمة من الجرائم المنصوص عليها في النظام وأدت معلوماته إلى ثبوت الجريمة ولم يكن راشيا أو شريكا أو وسيطا؛ يمنح مكافأة لا تقل عن خمسة الآف ريال ولا تزيد عن نصف قيمة المال المصادر؛ وتقدر المكافأة الجهة التى تحكم فى الجريمة ويجوز لوزارة الداخلية صرف مكافأة أعلى من المبلغ الذي يحدد بمقتضى هذه المادة وذلك بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء عليها. وأوضح الدكتور قاروب أنه على الجهة المختصة بالحكم في جرائم الرشوة الحكم بغرامة لا تتجاوز عشرة أضعاف قيمة الرشوة؛ أو بالحرمان من الدخول مع الوزارات والمصالح الحكومية أو الأجهزة ذات الشخصية المعنوية العامة في عقود لتأمين مشترياتها؛ وتنفيذ مشروعاتها وأعمالها على أية شركة أو مؤسسة خاصة وطنية أو أجنبية أدين مديرها أو أحد منسوبيها في جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام؛ و إذا ثبت أن الجريمة قد ارتكبت لمصلحتها، وعلى وزارة الداخلية نشر الأحكام التي تصدر في جرائم الرشوة وإعلانها؛ وقال قاروب: بما أن جريمة الرشوة من أهم اهتمامات المجتمع في كل الميادين متوخين من الجهات المختصة بتغليظ العقاب والضرب بقوة على أيدي المرتشين العابثين بمصالح المجتمع حتى يمكن استئصال هذا المرض ومحاربة المرتشين في كل الإدارات والمجالات والدول، لأن الرشوة مدخل للانحراف بالوظيفة العامة وفساد موظفيها؛ فهي انحراف بالوظيفة العامة؛ إذ أنها تجعل الأولوية في أداء الخدمات العامة للأفراد الذين تتوافر فيهم شروط الانتفاع. وأشار إلى أن الرشوة ليست عملا فرديا يقتصر على الموظف المرتشي؛ بل إنها تأخذ صفة التنظيم الذي يساهم فيها عدد كبير من الموظفين؛ الذين تترابط اختصاصاتهم في العمل ببعض المصالح، وهنا وجه آخر من أوجه الخطورة؛ الأمر الذي يقتضى مكافحة الرشوة ليس فحسب عن طريق تشديد العقوبة أو ملاحقة كافة من لهم صلة؛ ولو كانت واهية بمحيط الجريمة بل يجب ربط تلك الظاهرة في شقي السلوك المؤثم والعقوبة المقدرة بظروف الوسط الاقتصادي والاجتماعي والحضاري الذي نشأت فيه الرشوة. وزاد الدكتور قاروب أن الجريمة على درجة كبيرة من الخطورة؛ وخطورتها تمس الفرد والمجتمع على السواء؛ والمعاناة منها تكاد تكون على كافة المستويات الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية، ولذلك فإن الاهتمام بهذه الجريمة لا يفترض أن يقتصر على رجال القانون بل يجب أن يتعداهم إلى رجال السياسة والاقتصاد وعلماء الدين والتربية الاجتماعية للوقوف في وجه الوباء بالقوة وبحزم واتخاذ كافة سبل الوقاية والعلاج حتى يتبرأ المجتمع من هذا الداء الخطير وينعم الناس بالأمن والعدل والاستقرار وحب الوطن. وكشف المحامي قاروب أن من المشاكل التي تواجهه المسؤولين في اكتشاف جريمة الرشوة؛ أنها لا تحدث على الملأ ومن الممكن أنها تحدث بين شخصين فقط ومن الصعب اكتشافها وغالبا ما يكتشف صغار الموظفين في البلديات وأعمال الرقابة والأعمال الإدارية البسيطة؛ أما كبار المرتشين فمن النادر اكتشافهم وبالتالي فإنه يلزم مراقبة حسابات الموظفين العموميين في البنوك منعا لإثراء الموظف بدون سبب، والمساواة أمام القانون ومحاسبة الفاسدين المرتشين الكبار قبل الصغار، وذلك بتشديد وتغليظ العقوبات المقرة في النظام، وتصريح المسؤول عن ممتلكاته عند استلام وترك المنصب، و فضح الفاسدين والمرتشين والتشهير بهم حتى يسقطوا اجتماعيا. كما شدد الدكتور قاروب على ضرورة تغليظ العقوبة بالنسبة للشخص الذي يعينه المرتشي أو الراشي لأخذ الرشوة؛ وتغليظها أيضا على الموظف الذي يمتنع نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة، فالعقوبات المنصوص عليها والمعمول بها الآن غير رادعة ولا تحقق الغرض من وجود النظام بل تكاد تكون مشجعة للمخالفة. من جهته قال الباحث في علوم الإدارة أحمد آل حاسن؛ أن الأجهزة الإدارية تلعب دورا كبيرا في مكافحة الرشوة، ولعل من أهم الأسباب الإدارية التي تؤدي إلى تفشي الرشوة، تخلف الإجراءات الإدارية والروتين والبيروقراطية، غموض الأنظمة وتناقض التشريعات وكثرة التفسيرات؛ ضعف دور الرقابة وعدم فعاليتها وافتقارها إلى الكوادر المؤهلة والمدربة؛ عدم اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، وقد أظهرت دراسة أجراها باحثون وخبراء في دول عربية مجاورة بأن (80%) من أسباب انتشار الرشوة لديهم هي تمتع البعض بمناصب ومراكز تجعلهم بعيدين عن المحاسبة. وأضاف أن هناك أسبابا اقتصادية ولعل العامل الاقتصادي من العوامل التي تؤدي إلى انتشار الرشوة، وهذا الأمر يعود إلى انخفاض مستوى المعيشة وتدني الأجور مقابل الارتفاع المستمر في الأسعار؛ وبعض الأمراض لموظفين لديهم بالحقد والحسد والبغض، ويعبر عن هذا الشعور من خلال أخذ الرشاوى. وقالت الدكتورة رفعة المطيري - أخصائية السلوك الاجتماعي - إن الرشوة تعتبر سلوكا اجتماعيا غير سوي؛ قد يلجأ إليه الفرد أو الجماعة كوسيلة لتحقيق غايات لا يستطيع الوصول إليها بالوسائل المشروعة أو بالطرق التنافسية المتعارف عليها، ومن أهم الأسباب الاجتماعية التي تؤدي إلى انتشار الرشوة ضعف الوعي الاجتماعي؛ فكثيرا ما نجد أن الانتماءات العشائرية والقبلية والولاءات الطبقية وعلاقات القربى والدم سبب رئيسي في هذه الانحرافات الإدارية، بحيث يتم تغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة. وأشارت إلى أن شريحة من المجتمع تفتقر إلى الثقافة العامة، ناهيك عن الثقافة القانونية، فجهل المواطن بالإجراءات الإدارية، وجهله بالقانون يجعل منه فريسة سهلة المنال بالنسبة للموظف الذي يحاول دوما تعقيد الإجراءات للحصول على الرشوة، أيضا ضعف إدراك الجمهور بمدى منافاة الرشوة لنظم المجتمع؛ فبعد أن كان المرتشي يعد في نظر المجتمع مرتكبا للخطيئة أصبح الأفراد يشعرون بأن دفع مقابل لإنجاز بعض أعمالهم لا يعتبر رشوة، بل يجتهدون لإسباغها بنوع من المشروعية، فالبعض يسميها إكرامية أو حلوان أو ثمن فنجان قهوة أو أتعاب. واعتبرت الدكتورة المطيري أن ضعف الوازع الديني والأخلاقي أحد الأسباب؛ حيث يعتبر الوازع الديني هو الرادع الأقوى والأجدى من جميع العقوبات الوضعية، فهو يمثل رقابة ذاتية على سلوك الفرد ويوجهه نحو الخلق الحسن والسلوك القويم.