في المقالين السابقين أشرتُ إلى أن عمق الإشكال بين مؤسسة النادي ومشهدنا الثقافي كامن في جوهر لائحتها القانونية، التي اختزلت هوية النادي كمؤسسة ثقافية في جنسٍ واحد من أجناس المعرفة، وهو الأدب واللغة، وبالتالي فمَن لم يكن نحويًّا أو شاعرًا وقاصًّا فليس بمُثقَّف، وليس من حقّه قانونًا أن يكون عضوًا بمؤسسة النادي، وهذا قمّة الإجحاف بمشهدنا الثقافي، وهو غاية ما يمكن أن يكون عليه الافتئات في شكله ومضمونه، وكان من نتيجة ذلك أن أصبحت النوادي بمثابة القلاع الحصينة المهجورة، التي يخشى المرء الاقتراب منها، ناهيك عن التفكير بالدخول إليها، علاوةً على عدم تجذر الاهتمام بها بين فئات المثقفين، إذ ما الفائدة التي سيجنيها أحدهم من الحضور لفعاليات نادٍ لا يأبه له، ولا يعترف به لكونه لا تتحقق فيه شروطهم التي قرروها سلفًا، وحتما فكل مثقف مسؤول يرفض أن يكون حاضرًا في جوقة وظيفتها التأمين والتصفيق، وحين يأتي الفعل يُقال له اذهب، فليس لك من الأمر شيء. ذلك هو الإشكال الذي يغيب عن وعي حراس وحارسات مؤسسة النادي، ممن ينتفضون فزعًا وغضبًا حين يسمعون قولي ومثيله، وهو ذات الإشكال الذي يعيه كثير من الأدباء واللغويين المثقفين، الذين كان لهم السبق إلى تحرير مؤسسة النادي من أغلاله، على عهد معالي السيد إياد مدني، حيث أثمرت تلك الفترة عن دخول عديد من المثقفين إلى عضوية كثير من مجالس إدارات النادي، من أمثال: حماد السالمي، وجميل فارسي، وغيرهما، مع الإشارة إلى أنهما ووفقًا للائحة، لن يستطيعا وغيرهما الالتحاق اليوم بمؤسسة النادي. أشير في هذا الصدد إلى أن معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة قد أراد أن يكمل حالة تحرير الأغلال التي جمدت المشروع الثقافي لعقود طويلة، من واقع مشروعه الذي أعلنه وهو تأسيس المراكز الثقافية، وكلنا استبشرنا في حينه لذلك، وفهمنا مشروعه بأنه سيقوم بدمج مؤسسة النادي مع الجمعية السعودية للثقافة والفنون، في مؤسسة ثقافية واحدة، تنطلق بمشهدنا إلى آفاقٍ رحبة من العمل الجاد. لكن تلك الرؤية قد تم اختزالها من قِبَل الحرس العتيد، لتتجسَّد فكرتها في مبانٍ إسمنتية في عدد من مدن الأطراف، يمكن الاستفادة منها من قبل مؤسسة النادي أو فرع الجمعية، كلا على حدة، وهو ما يفقد المشروع هويته التي أرادها وزير الثقافة، ثم كانت إرادة الحرس العتيد إلى إلغاء مسمى ملتقى المثقفين باستبداله بملتقى الأدباء، وهكذا يستشعر المثقف المراقب أن هناك استبسالاً من قِبَل ذلك الحرس، لإبقاء المشهد كما هو محتكرًا من قبل جنس معرفي محدود، وهو ما يُعزِّز من غربة مؤسسة النادي ثقافيًا، ويجعل الآخرين بمنأى عن نشاطاته وفعالياته، وبالتالي يفقد أي تأثير إيجابي. فهل تسعى الوزارة الموقرة إلى إنقاذ مشهدنا الثقافي وعدل مساره إلى وجهته الصحيحة؟. [email protected]