كم كنت حفيًا بمتابعتي عبر قناتنا الثقافية المتألقة، لحديث معالي وزير الثقافة والإعلام في حوار شباب عكاظ بمعية صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل يحفظه الله، الذي أبحر فيه بذكر بعض ملامح الرؤية الثقافية، التي ينتظر طيفها كل مثقفي الوطن. في ذلك الحوار، شكا أحد شباب عكاظ من طبيعة الفجوة القائمة بين المؤسسات الثقافية والشباب، وحتمًا يقصد مؤسسة النادي الأدبي الثقافي باعتبارها معنية بالإنتاج المعرفي، مستغيثًا بوزير الثقافة ليضع يده على الجرح، ويُقلص من تلك الفجوة الواقعة؛ لكن معاليه آثر بحنكته أن يتغافل عن التعليق على ذلك، ربما لأنه لا يريد أن يدخل في نفق مظلم مع حراس تلك المؤسسة العتيقة، مِن أولئك المثقفين والمثقفات الذين باتوا مؤمنين بأن مؤسسة النادي حق لهم لوحدهم، وليس لأحد أن يشاركهم بها. نعم، لعل ذلك هو مكمن الإشكال الذي جعل معاليه يتفادى تطمين ذلك الشاب، والسؤال: هل الشباب فقط هم من يشعرون بتلك الفجوة بين الأندية الأدبية ومحيطها المعرفي؟ حتمًا ستكون الإجابة بالنفي، فأعضاء المجتمع الثقافي في جملتهم باتوا بعيدين عن مؤسسة النادي، لكونهم لم يشعروا في لحظة ما، بأن النادي يمت إليهم بصلة، أو أنهم جزء من هيكل تلك المؤسسة، والسبب في تصوري راجع إلى افتئات جنس من أجناس المعرفة على هوية النادي، وهو جنس الأدب واللغة، لتصبح مؤسسة النادي حكرًا على أبنائه، الذين استغلوا مفهوم لفظة الأدب اليوم في قاموسنا اللغوي، لتثبيت حق غير مشروع لهم. في حين وبعضهم يعرف يقينًا أن مفهوم اللفظة مُتغيرٌ عبر الزمن، فمفهوم الأدب قبل الإسلام مختلف في دلالته ومعناه عن مفهومه في الإسلام، الذي رمز إلى التربية والأخلاق، وفي العهد العباسي بات يعني المعلم، ليأخذ مدلول المعرفة بعد ذلك، مع كتاب «معجم الأدباء» لياقوت الحموي، وحتمًا فالحموي لم يقصد بمعجمه الترجمة فقط للشعراء والقاصين والروائيين وهو فن متأخر جدًا. لذلك حين أسس جيل الرواد مؤسسة النادي، لم يَدر في خلدهم أنه سيكون حكرًا على جنس معين من المعرفة، بل كانت عضوياته مفتوحة لكل مثقف، وكانت أولى محاضرات نادي جدة حول «دور المرأة في الإسلام» لمعالي الشيخ حسن آل الشيخ. على أن ذلك قد تغير في العقدين السابقين، واشتد أواره مع تأسيس اللائحة الجديدة لمؤسسة النادي، التي عمد أعضاء اللجنة الموكلة بها، وكلهم من تخصص اللغة وآدابها، إلى تكريس مؤسسة النادي في تخصصهم، متناسين أن النادي يتبع وزارة الثقافة وليس وزارة الأدب. وكم هو مؤلم يا معالي الوزير حين تشير إحدى رموزنا المعرفية بانتقاص إلى مفهوم الثقافة بقولها: «إنما هم مثقفون، والثقافة فن بتاع كله». إن تحرير مؤسسة النادي الحكومية، من سطوة جنس معين من أجناس المعرفة، هو البداية الحقيقية للتصحيح وتقليص أي فجوة بين مختلف كيانات المجتمع المثقفة ومؤسساتهم المعرفية، فهل إلى ذلك سبيل يا معالي الوزير؟ [email protected]