حين يتحوَّل دور الإعلام الحر من رصد الحقائق، وتقديمها كما هي، إلى الانحدار صوب منزلق تصفية الحسابات، وجرّ الأوطان وشعوبها إلى التناحر فيما بينها، فالعالم في مواجهة نوع جديد من الإرهاب المبطَّن في ثنايا الأجندات الخاصَّة. من المؤسف أنَّ بعض القنوات الفضائيَّة الخاصَّة كان لها الدور الواضح في تصدُّر قائمة الالتفاف على مصداقيَّة الخبر والمشهد؛ حتَّى لم نعدْ نرَى من الحقائق سوى أنصافها!! إنْ لمْ تغبْ عنَّا كاملةً، حتَّى ضاعت الطاسة في دلاء التحليل، والتبرير، والمراوغة. في سبيل نصرة حقِّ الأوطان والشعوب، والعيش تحت مظلَّة الحريَّة والعدالة الاجتماعيَّة، سخَّرت تلك الفضائيَّات الخاصَّة كافَّة جهودها، وحصل لها ما أرادته، ولا نعلم لِمَ هِيَ اليوم أشدُّ حرصًا على تحييد مطالب الديموقراطيَّة، وحريَّة الرأي والرأي الآخر، والحقوق جانبًا لتتحوَّل بين ليلةٍ وضحاها إلى مناوئ يحشد، ويحرِّض، ويؤلِّب الشعوب على قياداتها، والقيادات على شعوبها.. فإمَّا أنْ تكونَ معي، أو أنتَ عدوِّي!!. متى كانت الحقائق أسطع من ضوء الشمس، فلا يستطيع كائنًا مَن كان أن يغطيها بغربال، وعندما تتوالى البراهين، وقرائن الحق من كلِّ حدبٍ وصوبٍ، وبيد أصحابها، فلن يستطيع كائنًا مَن كان أنْ يقفَ في وجهها، وليس على المتلقِّي إلاَّ الاستسلام لها، والإقرار بها.. شاء أم أبى. ما حدث في تركيا كان لحظة تاريخيَّة حاسمة، رسم فيها تلاحم الأجساد للعالم أجمع هديَّة الانتصار لديموقراطيَّة الوطن والدستور وحده. وحتَّى لا تكون تركيا بحرًا آخرَ من الدماء، يصعب وقفه، كان ترديد «يا الله.. باسم الله» الأيقونة التي وضعت النقاط على حروفها تمامًا، والتي كان لها أبلغ الأثر في تسيّد الشعب التركي للمشهد المشرِّف برمَّته. في تلك السويعات الحاسمة، حبس العالم أنفاسه، وارتفعت الأكفُّ تضرع إلى الله أنْ لا يحلّ بتركيا مثلَ ما حلَّ بغيرها، إلاَّ أولئك الإعلاميين، أبى جبروتهم إلاَّ أن يكون حجر عثرة تقطع الطريق على ثورة الشعب، وتكاتفه مع حكومته ضد الانقلاب الفاشل. ونأسف أن يكون بين إعلامنا العربيّ مثل تلك الأبواق المتربِّصة.. نعوذ بالله من قسوة القلوب، كيف غاب من حساباتكم ما سيحل بهذا الشعب من ويلات؟! أمْ أنَّ اللهَ اقتلع الحكمة من رؤوسكم، وحلَّ محلّها هوس التشفِّي والانتقام؟!. أما كفانا ما يحدث في العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن؟!، أم تريدون معمعة أخرى في بلد إسلامي يعتبره العالم أجمع أهم معاقلنا الإسلاميَّة على أوروبا. أسقط الموقف ورقة التوت ليظهر الوجه القبيح لذاك النوع من الإعلام، الذي ركنته الحقائق في خانة من يضرب كفًّا بكفٍّ.. ويبقى اللهُ غالبًا على أمره. [email protected]