إن قطع العلاقات الدبلوماسيَّة بين بلدين تعني: التعامل بدون ودٍّ مع الطرف الآخر، نتيجة توتُّر سياسيٍّ أو سواه؛ يستحيل معه التوصُّل لحلٍّ بسبب القطيعة. في حالة قطع المملكة علاقاتها الدبلوماسيَّة مع حكومة طهران، كان السبب المباشر هو خرق أهمِّ بند في اتِّفاقيَّة فيينا -ألا وهو ضرورة توفير الأمن والسلامة لسفارتها في طهران ودبلوماسيِّيها وقنصليّتها في مدينة مشهد- حيث مكّنوا عناصر الشغب من القفز فوق أسوار المبنيين، وإضرام النار فيهما؛ إن لم يكن بتوجيه من قيادتهم العليا. وعناصر الشغب في إيران لها أسماء عدَّة، ومنها الرسميَّة كالحرس الثوري، الذي له سوابق ضربت بعرض الحائط كلَّ المواثيق والأعراف التي تحكم إقامة علاقات دبلوماسيَّة بين بلدين. ويمثِّل الاعتداء الآثم على سفارة المملكة وقنصليَّتها أبشع صورة؛ تُذكِّر بإقدام الغوغاء الرسميِّين عام 1979 من القفز فوق أسوار السفارة الأمريكيَّة، وأخذ جميع موظفي البعثة الدبلوماسيَّة رهائن؛ ولم يُطلق سراحهم إلاَّ بعد 444 يومًا من احتجازهم. أمَّا في حالة العلاقات الراهنة بين المملكة وإيران في ضوء التدخُّل الفارسي في الشؤون الداخليَّة لدول الجوار العربيَّة، من أجل إقامة «الهلال الفارسي» الذي يطمع حكَّام طهران في إقامته، منذ أيَّام الشاه، الذي أقام أضخم حفل عرش بمناسبة مرور 2500 عام على قيام الإمبراطوريَّة الفارسيَّة، متجاوزًا مجد بلده الإسلامي، ومرورًا بحكم الملالي الحالي الذين يحلمون بمجد الهلال الفارسي، فقد كان لابدَّ من إجراءاتٍ صارمة على أمل أن تعود طهران إلى جادَة الصواب، وتعيد تقويم مواقفها من دول الجوار، وتتوقَّف عن تأجيج، نار الفتن المشتعلة في العراق وسورية واليمن. لذا لابدَّ لدورٍ لرجال المال والأعمال في ايران وخارجها؛ للدفاع عن مصالحهم في إيران ودول الجوار، لإرغام حكَّام طهران على إدراك الضرر الذي أصاب اقتصاد بلدهم، نتيجة التدخُّل السافر في الشؤون الداخليَّة للبلدان العربيَّة فمن المستحيل إلغاء الهويَّة العربيَّة لتحلَّ محلَّها الهويَّة الفارسيَّة، فالشرق شرق، والغرب غرب، والفرس فرس، والعرب عرب. وليس أمام شعوب المنطقة إلاَ التعايش؛ مع احترام كلِّ طرف لخصوصيَّات الآخر. وهذه مشيئة الخالق -جلَّت قدرته- أن نكون شعوبًا وقبائل لنتعارف لا لنتقاتل، ولنحترم حقَّ الجار والجوار، ولتكون التقوى الأساس الذي يبنى عليه التعارف والتعايش. ومن يقرأ تاريخ الفرس والعرب -لمَّا كانت مكارم الأخلاق التي بُعث من أجلها نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام تحكم سلوك الأفراد والجماعات- يُقدِّر ماذا يعني ذلك التعايش للإنسانيَّة من رقي العطاء في مجالات المعرفة كافَّة، وبهذا الهدي والرشاد ترسم المملكة سياستها الخارجيَّة.