أدى ضيوف الرحمن اليوم بعد أن منَّ الله عليهم بإتمام مناسكهم، أول صلاة جمعة بعد الحج في المسجد الحرام وسط منظومة متكاملة من الخدمات والترتيبات التي أعدتها الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ضمن المرحلة الثانية من خطة موسم الحج التي تحت شعار "خدمة الحاج والزائر وسام فخر لنا" بالتعاون مع كافة الجهات الحكومية والأهلية المعنية، وقد كثفت كافة الإدارات التوجيهية والخدمية والفنية جهودها لاستقبال قاصدي البيت العتيق ومتابعة تدفق الحشود والتأكد من إنسيابية الحركة وأمن الحجاج، والدخول من الأبواب المخصصة مراعاةً للزحام ، وتوجيههم للأبواب والمساحات الأقل كثافة، وتوفير المصاحف بلغات متعددة لقراءة القرآن، وتوزيع برادات مياه زمزم وتوفير الكاسات، والتأكد من عمل مكبرات الصوت ومراوح التهوية والمكيفات، وتوزيع أجهزة الترجمة الفورية لخطب الجمعة الخاصة بمشروع خادم الحرمين الشريفين لترجمة الخطب بالمسجد الحرام، كما استفاد قاصدو بيت الله العتيق من الشاشات الإلكترونية - (55) شاشة -منتشرة حول المسجد الحرام وفي ساحاته ومداخله وما بثته من عبارات توجيهية وإرشادية ومواعظ مفيدة، وتهيئة المصليات النسائية والتأكد من جاهزيتها وتوجيه الأخوات إليها. وأمّ المصلين د. سعود الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام، والذي أكد في خطبة الجمعة أن لدى بلاد الحرمين ضرورات لا تقبل التلاعب بها ولا التجارب عليها فمن أراد أن يفرق ما اجتمع منها أو يشوش ما استقر فيها أو أن يبدل أمنها خوفا فلا مكان له بيننا جميعا بل ستلفظه أفئدتنا، وتطال سياط ألسنتنا وأقلامنا ، فضلا عن أن تكون نهايته فشلا ذريعا ثقة بالله ثم بقوة يد حازمة لا تعرف المزاح الأمني ولا الهرطقات الفكرية ولا مجازفات الفوضى الخلاقة ، وإن يد الله على الجماعة وما شذ عنهم شذ إلى النار . وقال الشريم في خطبة الجمعة من المسجد الحرام بمكةالمكرمة ، إن ما أصاب الأمة من وهن وهم وغم لم يكن بدعا من الأمر ولا فقرة لم تسبق بمسبباتها وإنما نتيجة شق في سياجها المنيع وثقوب تكاثرت في حيطانها على حين غفلة من ترميمها وصيانتها، فترادفت عليها حلقات الخطوب حتى أصبحت كل فتنة تحل بها تقول للأخرى ( أختي .. أختي ) وما أوجاع الشام إلا خير شاهد على الطغيان والجبروت والظلم والبغي ، والله لا يحب الظالمين . وأضاف فضيلته أن الأمة الموفقة هي تلكم التي تدرك أن حسد القريب أو الصديق قد يفوق في الخطورة على عداوة العدو وإن الأضرار التي تطالها من أقران بني جلدتها ممن ضعف وازعهم فغلبتهم شهواتهم وشبهاتهم قد تتجاوز في الإضرار ما يصنعه عدوها، لأن في الحسد من دواعي المكر والتربص مالا يكون في غيره وقد قيل (كل ذي نعمة محسود ). وبين د. الشريم أن بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله لم تسلم من حسدة ماكرين ومتربصين شامتين يستنشقون البغض والحسد فيستنكرون القعود لها كل مرصد لما حباها الله من رعاية الحرمين الشريفين مهبط الوحي ومهاجر النبي صلى الله عليه وسلم ورعاية حجاجها ومعتمريها وزائريها، فلم يصمت لأولئك لسان ولم يجف لهم قلم في ايذائها بالتحريش والتشويش ، ولكنها بحمد الله خائبة فلم تلق رجع الصدى لذالكم، وإنما يضرب في صخر صلب يوهن يدي صاحب المعول فحسب . وأشار فضيلته أن من غربة الدين أن تلتصق به المحدثات التي تشوه جماله وتطمس معالم سننه، في حين أن الدين دعوة كمال بين تلك المحدثات ، فإذا ما تردد أحد بين طريقين دعاه الدين إلى خيرهما، وإذا تردد بين حق وباطل دعاه الدين إلى الحق، فدين الإسلام هو أصعب الطريقين وأحزم الأمرين بالنسبة لأهواء البشر ، لأن الانحدار مع الهوى من السهولة بمكان لا يحاكي بها الصعود إلى العلو لأن فيه الجد والاجتهاد ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن . وقال فضيلته إن الله جلا وعلا أكمل لهذه الأمة دينها وإنه سبحانه بعلمه وحكمته قد أحاط ضروريات دين الأمة وحاجياتها بسياج منيع حتى تبقى تحت ظل واحد من الرضا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه نبيا ورسولا، فحينئذ لا يخلص إليها ما يعكر صفوها أو يقوض بنيانها فلا تنهشها أنياب المتربصين ولا تجرحها مخالب الماكرين شريطة أن يشيع بين ذويها روح الإخاء والعدل والإنصاف والإيثار والشفقة والتواضع لله ثم لدينه وخلقه، إنها بتحصيل ذلك تنجو من مكر أعدائها وتجتمع كلمتها بالذود عن حياط الأمة ، حيث تجمعهم كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمدا رسول الله) التي لا يدانيها لغة ولا عرق ولا أرض ولا لون.