لم يشكك أحدٌ في حبّه لمدينته، فهو أحدُ أبناء عائلاتها العريقة.. الرّافعين رايتها على الدّوام.. لا ينقصه العلم، فهو يحمل ماجستير في الهندسة من الولاياتالمتحدةالأمريكية.. لا تعوزه الخبرة، فله في مجال تخصصه باع. أقبل علينا متحمّسًا.. كان ذلك قبل موعد انتخابات الدورة الأولى للمجالس البلدية في ثوبها الجديد. قال مخاطبًا.. جئتكم بعد أن قررت ترشيح نفسي لعضوية المجلس البلدي في جدة، وقبل أن أتقدّم بطلب الترشيح أخذت على مدى شهرين أطوف بشوارعها، أتجوَّل داخل أحيائها، أستطلع آراء رجالها للتعرّف على مشكلاتها واحتياجاتها. وعلى مدى ساعتين كان يتحدث يشرح للحاضرين برنامجه.. المجالس البلدية ليست ناديًا للكلام.. إنها هيئات تستطيع بالتعاون مع كافة المرافق في المدينة أن تفعل شيئًا.. هكذا كان يردد. واستوعب الحاضرون برنامجه ورأوا فيه خيرًا.. ومنهم من غيَّر موقفه من تلك المجالس ورأيهم السيئ فيها. وأخذوا في تحريض بعضهم بضرورة المشاركة والإدلاء بأصواتهم يوم الانتخاب. واستجاب الكثيرون، وذهبوا في ذلك اليوم إلى مراكز الاقتراع. لكن أملهم خاب، ففي اليوم الذي أعلنت فيه النتيجة، لم يجدوا اسم صاحبنا بين الفائزين.. لقد غلب هوى العصبيات على نتائج الانتخابات. وهوى سوء نظام الانتخاب وقتئذٍ على طموحات ذلك الشاب. وهذا ما كان الكل يتوقّعه، وهو يشاهد السرادقات المنصوبة، والتجمعات الآتية من كل مكان.. لقد كان التفاف الرَّبْع حول تباسي السليق والموائد التي أنفق عليها مرشحون ببذخ يفوق التفافهم حول المرشح الأفضل. وقد تفسد هذه التصرفات تجربة الانتخابات، وتخيِّب ظن القطاع الذي يعمل لاتّساع دائرتها!!.