كان يا ما كان ليس في قديم من الزمان، إنه مازال كائنًا، كانت مساحة بيضاء كالغيمة شددت لها الرحال عنوة لأني كنت على يقين بأنها ستكون مساحة لا تنسى، تجولت بها في أحد الأعوام، فعلًا تلك المساحة التي كانت ثم أغلقت وانتقلت وعرضت ثم أغلقت ثم تطورت واستمرت بتجربة متفردة، ورغم أنها كان ياما كان ورغم مرور أزمان إلا أنها مساحة بيضاء ما زالت عالقة بذاكرتي. (ثمة ما يستحق 2009) تلك المساحة، الغيمة الباردة لونًا، الدافئة معنى، معرض تشكيلي احتوى ثلاثين عملًا بقيت حكاياتها في الذاكرة التمست بخفة دواخل الطفل والكبير، القديم والحديث، المثقف والمتطلع، من أين نبدأ قراءة نصوص الخديدي، إننا نتوه جمالًا. فيصل الخددي التشكيلي الشرس الغيور في ثقافته التشكيلية، جسر الود بين ما يجد وما يقدمه للمتطلعين والباحثين، اختار أن تكون قاعة عرضة تلك مؤثلجة تشعر المتجول ببرودة تعبيرية ولكنها دافئة كقلب الخديدي. تبدو معروضات الخديدي عناصر جاهزة من أوراق وألعاب وصور وكتب ولوحات مخرجة بإخراج تشكيلي مؤثلج داخل قوالب من الراتنجات، جمد فيها التشكيلي اللحظة من مشاعر ومواقف وقيم وعلاقات إنسانية، حيث تمكن الخديدي من استخدام مادة (الراتنج) في توثيق اللحظات وحفظها بفلسفة التجميد، الأعمال التي احتواها المعرض كانت تمسنا نحن المتلقين حيث بدأ بنا وانتهى بنا، من حيث تجميده لألعابنا التي نسيناها ما إن وثبنا لسن الشباب، كما جمد تقنياتنا الإلكترونية وثقافتنا، كتبنا التي لم نفيها حقها من التطوير الذاتي بل عبثنا بأنفسنا بها، كما أثلج الخديدي لوحات دافنشي والجورانيكا رسالة موجهة لمن يعي عظمة الفن واستمراره ولم يخفَ على الخديدي أن أخذ الأصدقاء وأثلج صورهم ليقول لنا ثمة ما يستحق أن يكون ويبقى. في عالم الخديدي عوالم تسكن عالمًا، من طفولة إلى شغب، إلى موت تقديري إلى ألم دفين في أعمق نقاط النفس، إن الخديدي ينبه من خطر النسيان، ها هو يخاطبنا بحذر كلما توغلنا في تلك المساحة التشكيلية الباردة، ها نحن نرى القيم واللحظات والأشخاص والكتب واللوحات وتلك النظرات التي استوقفها وأثلجها، كل ذلك الصخب البارد، الصخب الصامت، صراخ بأفواه مغلقة، تنبيه صريح وقوي بقوة البرودة التي تؤلمنا من التجمد، إنه تنبيه من الاستقصاء والتهميش لكل ما هو عفيف وإنساني مضغته ولفظته الماديات المحيطة، إنه تنبيه للحظات ولعناصر حميمة موجودة وعاشت معنا لكن همشت منا وبسببنا أو بسبب ما نوليه اهتمامًا تاركين ما يكمن فيه روح العفة والرقي والتسامي والقيم.