كانت مدننا ذات ملامح مميزة ، لا تشبه إحداها الأخرى ، لكننا فررنا منها وعدونا نحو الأحدث والأسهل وما بدا أجمل وأضخم ، فقلدت كل مدينة الأخرى ، ووضعت الأبراج والمباني وتزينت بالحديد والرخام والألمنيوم ، وقلَّت ألوانها ، وخبت بهجتها، و بدا أن بين الأجيال والماضي ومكوناته وتفاصيله بوناً شاسعاً وشرخاً كبيراً ، فهم لا يعرفونه إلا من خلال مصادر المعلومات التي تعرضه لهم جافاً لا يربطهم به شيء أو متحفاً محنطاً لا يردد لهم أنشودة ولا يعجن لهم رغيفاً ، وبقي الحنين للجذور يدفع الشوق في نفوس المخضرمين ، للجري بالاتجاه العكسي ، للبحث عن بيوت الطين بين ناطحات السحاب ، وعن بساتين النخيل بين مداخن المصانع ، وعن الروشان الخشبي الحميم بين أعمدة الخرسانة و قواطع الفولاذ، عن مسباح الجد في خزانة ملأى بالأسطوانات الممغنطة والوصلات الكهربائية ، وعن مكحلة الجدة بين أكوام أقلام المكياج الحديثة . ووسط إلحاح الحنين للبحث عن وجه المدينة القديم وملامحها المميزة وعلاماتها الفارقة ، بدأت أشكال مختلفة من الاجتهادات لاستعادة الإرث التائه ، فأخذ في بيوتنا ركناً قصياً ، ومن احتفائنا المؤسسي قالباً سنوياً ، لا يكفي لمعايشة الموروث والتآلف معه من جديد ، في متنفس يتوسط المدينة وتصل إليه الأسرة بأجيالها بسهولة ، و تمارس ما يتيحه من مناشط موروثة بمتعة ، ويفرض الروشان والسدو والخيزران والقيطان على حداثة الزحام . لذا كان الحي التراثي المديني -الذي رعته أمارة المدينةالمنورة- ليحافظ على التراث بأبعاده الإنسانية والعمرانية وليؤصل للهوية المدينية ويتيح للمواطن المديني معايشة الماضي الجميل في أحضان الحاضر الطموح . الحي التراثي المديني فكرة خلاقة ، ستلقي بظلالها على الحركة السياحية مستقبلاً إذا أحسن تطويرها وتوسعة مساحاتها وتنويع نشاطاتها وهي منجز يحسب لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينةالمنورة وعراب نهضتها ، ويجدر تكرارها وتناقلها في كافة المدن السعودية . @511_QaharYazeed [email protected]