ينشغل علماء السياسة بالتنظير.. وينشغل رجال السياسة بالتأثير، وهذا الأخير لا يتحقق هكذا برمية نِرد، أو بنقلة بيدق فوق رقعة شطرنج صاخبة، وإنما يتطلب المعرفة، والرؤية، والخبرة، والدقة والسرعة، والعمق.. كل مقومات التأثير تلك تقتضي فسحة من الزمن حتى تبين أثرها،أما أن يتحقق التأثير هكذا بسرعة الضوء، فهو ما لا يقدر عليه سوى القليل من القادة والفريد من الزعماء. خطوات الملك سلمان منذ اضطلاعه بالمسؤولية، تقطع بأنه قائد من طراز فريد، يحسن قراءة مسرح عملياته، ويبادر ويباغت بخطوات دقيقة ومحسوبة، تتيح له تحقيق رؤيته وتوضيح فكرته. منذ اليوم الأول، بدا أن الملك سلمان يمسك بخارطته ويعرف طريقه ويحسم أمره، ومع قراراته بشأن فريق العمل معه، بدا أنه يحسب للوقت حسابه، وأنه يدرك أن الظرف الإقليمي والوطني الدقيق، لا يحتمل التردد . وبعد امتلاك الخارطة وتشكيل فريق العمل، بدأ الملك سلمان بخطاب وجهه إلى شعبه، عكس استيعاباً دقيقاً للظرف وإرادة قوية على التعاطي معه والوفاء باستحقاقاته. في الخطاب الملكي بدا وكأن الملك سلمان يطرح دستوراً جديداً على شعبه، حرص في ديباجته تأكيد الهوية السعودية الراسخة، بالتمسك بشرع الله وسنة نبيه، والالتزام بمواصلة التطوير مع التمسك ب" العقيدة الصافية"، والمحافظة على أصالة هذا المجتمع وثوابته. ثمة مبادىء عامة حرص المليك على تأكيدها بصيغة عكست بصمته على العهد الآتي، استوقفني من بينها ما يلي: 1- الالتزام بالتنمية "الشاملة" و" المتوازنة" في "كافة "مناطق المملكة.. فالتنمية في عهد الملك سلمان حق للجميع وهى لا تعرف التمييز لا بين مواطن وآخر، ولا بين منطقة وأخرى. 2- العدالة" لجميع المواطنين" وإتاحة المجال لهم لتحقيق تطلعاتهم وأمانيهم المشروعة. 3- "كل مواطن" و"كل منطقة" محل اهتمامي ورعايتي دون تمييز. 4- أبناء الوطن متساوون في الحقوق والواجبات، وأنا حريص على التصدي لأسباب الخلاف ودواعي الفرقة، والقضاء على كل ما من شأنه" تصنيف المجتمع بما يضر بالوحدة الوطنية". 5- "أتطلع الى إسهام (الجميع) في خدمة الوطن"... السعودية التي تطبق دستور سلمان هذا، هى بالضرورة أكثر منعة ضد محاولات الاختراق من الخارج، أو التفجير من الداخل، وهى أكثر قدرة على مباشرة دور إقليمي أوسع بقبول عريض وبتأثير واضح، وهى المؤهلة للانخراط في دور عالمي يعنى بقضايا الإنسانية كافة. والسعودية التي تطبق دستور سلمان هذا، هى الأكثر قدرة على التوظيف الأمثل لقدراتها الاقتصادية ولطاقاتها البشرية، بما يحقق طفرة حقيقية في أدائها الاقتصادي، جراء شراكة حقيقية في التنمية وفي عوائدها لكافة مواطنيها على قدم المساواة في كافة المناطق. وهو ما أشار اليه المليك بقوله:" ملتزمون ببناء اقتصاد قوى، تتعدد فيه مصادر الدخل، وتنمو المدخرات، وتتوفر فرص العمل، وذلك بتشجيع المؤسسات المتوسطة والصغيرة، ودعمها لتكوين قاعدة اقتصادية متينة". حديث الملك سلمان عن تنويع مصادر الدخل، وتشجيع المؤسسات المتوسطة والصغيرة، يعكس حرصاً أكيداً على توزيع عادل للثروة الوطنية يكفل للبسطاء والطبقات المتوسطة ودون المتوسطة فرصاً متكافئة في الاستمتاع بثروات الوطن، ما يعزز الانتماء ويدعم بناء جبهة داخلية قوية ومتماسكة ويحصن الوطن . دستور سلمان يعكس أداء ملك استطاع أن يضع بصمته الثابتة منذ اللحظات الأولى لاضطلاعه بمسؤولية الحكم.. ليس فقط لعمق تجربته في الإدارة والحكم على مدى سبعة عقود، وانما أيضاً لقدرته الفائقة على الربط بين مقتضيات سلامة الوطن، وبين متطلبات وحقوق المواطن. [email protected]