في خطابه الاستفزازي في الكونغرس ذكر رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو أن ديفيد بن جوريون Ben Gurion، أول رئيس لإسرائيل لم يأخذ بنصيحة وزارة الخارجية الأمريكية وقام بإعلان دولة إسرائيل عام 1948م بما يعني ضمناً أن إسرائيل تمضي في خططها التوسعية والاستعمارية وخصوصاً تلك المتصلة بأرض فلسطين العربية والمسلمة غير عابئة بمواقف حليفها الاستراتيجي الولاياتالمتحدةالامريكية، ويبدو أن نتنياهو ليس قارئاً جيداً للتاريخ كما أن نزعة الولاء المزدوج عند كثير من أعضاء الكونجرس والذين بمقتضى تلك النزعة الشاذة يقدمون ولاءهم لإسرائيل على ولائهم لبلادهم ومصالحها الوطنية هذه النزعة لعبت دوراً سلبياً وذلك بجعل إسرائيل دولة فوق القانون الدولي. ونستشهد هنا بداية بالموقف القوي للزعيم الأمريكي إيزنهاور Eisenhower الذي قام بقطع المساعدات الأمريكية عن اسرائيل عام 1953م رابطاً عودة المساعدات بتراجع إسرائيل عن محاولتها بتحويل مياه نهر الأردن على طول الحدود الاسرائيلية، وفي عام 1956م عندما حاولت إسرائيل وباتفاق سري مع فرنساوبريطانيا احتلال قناة السويس، وقامت بعدوانها الثلاثي على البلد العربي -مصر- مستغلة الانتخابات الأمريكية حيث وقع العدوان قبل أسبوع من تلك الانتخابات إلا أن «ايزنهاور» والذي يشير المفكر والسياسي البريطاني Denis Healey بأنه الرئيس الأمريكي الوحيد الذي لم يسمح للوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة بأن يتلاعب بقضية الشرق الأوسط نيابة عن إسرائيل، وحذر إيزنهاور إسرائيل وحلفاءها من مغبة عملهم العدواني، فانسحبت بداية بريطانياوفرنسا، ثم لحقت بهما إسرائيل، واذا كان ايزنهاور سمح بمضاربات في سوق المال ضد الجنيه الاسترليني مما حمل وزير المالية البريطاني آنذاك هارولد مكميلان، Macmillan على تغيير موقفه من دعم رئيس الوزراء البريطاني المحافظ آنذاك أنتوني أيدن والاصطفاف مع زعيم المعارضة العمالي آنذاك هيوجيسكيل Guiskell والذي توفي لاحقاً في ظروف غامضة في موقفه المعارض من استخدام القوة العسكرية ضد «مصر» فإن تهديد ايزنهاور كذلك لإسرائيل بقطع المساعدات عنها إن هي استمرت في عدوانها وهو ما تجرعت آثاره السيئة من قبل في عام 1953م، ذلك وسواه حمل بن غوريون ورئيس أركان جيشه آنذاك موشى ديان Dayan الى الانسحاب مما حمل في طياته إشارة الى انتهاء الحقبة البريطانية وبداية الحقبة الأمريكية التي تحوّلت فيما بعد الى أكثر الحلفاء دفاعاً عن الكيان الصهيوني. إلا أن إسرائيل والتي تتغذى دوماً على نزعة الخوف من الآخر ولا تركن حتى لأقرب حلفائها، تخشى من بروز شخصية أمريكية مستقلة ولا تعبأ في نفس الوقت بسلاح إسرائيل المعروف والذي تشهره في وجه منتقديها وهو «عداء السامية» Anti Semitic وقد اعتمد ايزنهاور في مواجهة العنت الإسرائيلي وكذلك من بعده جورج بوش الأب الذي هدد إسرائيل عندما عارض رئيس وزرائها اسحاق شامير Shamir فكرة عقد مؤتمر دولي للصراع العربي الاسرائيلي وكان ذلك في عام 1991م. نعم ، لقد توجّه كل من إيزنهاور وجورج بوش الاب- وكلاهما جمهوري الى الشعب الأمريكي ومخاطبته في وجدانه- وهو شعب في غالبيته مسالم وغير عدواني فكان التفويض في هذين الموقفين من قبل الشعب الأمريكي هو الأداة الفاعلة لرؤساء عملوا على تقديم مصلحة بلادهم على مصلحة الدولة الصهيونية.