نفتقد في حياتنا المجتمعية الكثير من الثقافات الضرورية، وقد تحدثت عن بعضها في مقالة سابقة، ولأنها بدرجة عالية من الأهمية والخطورة أعود للتذكير بها، فمجرد الإشارة إليها أو الكتابة عنها أو خطبة جمعة واحدة كل هذا لا يكفي أبدًا، فالقضية تتعلق بالتربية المجتمعية والسلوكيات الفردية والقناعات العامة والشخصية، ولأن عملية التربية للفرد والمجتمع تحتاج إلى نفس طويل وقدرة على تحمل المشاق وبعد نظر فهي أشبه ما تكون بغرس شجرة زيتون، التي تحتاج إلى سنوات لتعطي ثمارها، في حين أن بذرة الحلبة مثلا تنمو في خلال أيام ويمكن الاستفادة منها مباشرة، وهي لن تصبح ذات يوم في مثل حجم شجرة الزيتون ولا تحتاج إلى طول رعاية وعناية فهي قصيرة الأجل زراعة واستفادة، أما الزيتون فهي شجرة طويلة المدى من كل النواحي، ولابد من العناية بها وبذل جهد في رعايتها ولن تعطي ثمارها إلا بعد عشر أو أكثر من السنوات، ولعل في مسيرة النبوة بالعهد المكي نموذج على أهمية احتساب عنصر الزمن في عملية غرس القيم والمبادئ، حيث قضى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ثلاث عشرة سنة وهو يربي أتباعه الكرام على مبدأ التوحيد والتخلص من الشرك وأدرانه، خاصة أن هذه الكوكبة من المسلمين هم حملة راية الدين الأول فلابد أن يتم تربيتهم تربية عميقة راسخة الجذور سامقة البنيان! من الثقافات التي نحتاجها جميعا في مسيرة حياتنا استيعاب كينونة الحياة الزوجية بناء على أسس محددة وواضحة دينيا واجتماعيا وعلميا، ولأن معظم أبناء مجتمعنا وبناته يفتقدون هذه الثقافة بصورة كلية أو جزئية، فإن معظمهم يعاني في حياته الزوجية معاناة شديدة، وربما تنتهي حياته الزوجية في فترة مبكرة جدًا قد لا تتجاوز الأيام، وكما قلت في مقالتي السابقة فقد لا تعمر الحياة الزوجية في بعض الحالات طويلا، حيث لا تتجاوز العشرين أو أقل من السنوات فتنتهي نهاية أليمة بالفراق بعد إنجاب العديد من البنين والبنات، والسبب غالبًا يعود إلى غياب ثقافة الحياة الزوجية الصحيحة والسليمة، ورغم الدورات التي تقيمها بعض الجمعيات الخيرية المتخصصة ويحضرها لفيف من العرسان والمقبلين على الزواج إلا أن الاستفادة منها لا يزال ضئيلا، لذلك فإن القائمين على الدورات يتمنون ترسيمها وإلزام العرسان بحضورها مثلها مثل فحص ما قبل الزواج، تماما كما هو مطبق في ماليزيا وربما بعض دول الخليج. ومما يفتقده بعض الأزواج من ثقافات "الاعتذار عن الخطأ" و"التسامح بينهما"، وتكثر هذه المشكلة بين الزوجين المتحابين بصورة أخص، فكل واحد منهما ينتظر من الآخر ملائكية التعامل، ولأنهما يعيشان حالة حب وليس مجرد علاقة زواج عادية فلا يتوقع أي منهما من الآخر أن يخطئ أو يقصر نحوه، بل يريد منه أن يكون مثل خاتم سليمان (كما يقال) فلا يرد له طلبا، أو بالأصح يتوقع منه أن يوفر له كل ما يحتاج إليه دون إشارة منه، وهنا تحدث الكارثة، وإذا لم يتمتع أحد الطرفين أو كلاهما بعقل راجح وصدر واسع وقلب كبير، فيتحمل ما يصدر عن زوجه بأقصى ما يمكن من الصبر فقد لا يطول بهما بقاء العلاقة الزوجية أو تبقى مظلة التوتر وعدم الاستقرار هي المهيمنة، وهنا لابد من التوقف بعقلانية ومنح إجازة للمشاعر الفياضة وللأحاسيس المرهفة ليتمكن العقل من ممارسة دوره في قيادة الحياة الزوجية والعبور بالزوجين إلى بر الأمان وبسلام، وأحيانا لابد من تدخل بعض كبار العائلة الموصوفين بالحكمة والحنكة لمساعدة الزوجين، وأن تكون لهم الكلمة المؤثرة والتوجيه السديد للحفاظ على سلامة بيت الزوجية قدر المستطاع ولنا عودة بحول الله للموضوع نفسه. [email protected]