تشرَّبتُ من والديَّ -رحمهما الله- أنّ المواطنة الحقّة لا تعني فقط أن تكون هويتك سعودية، ولكنها مفهوم يأخذنا إلى أبعد من ذلك بكثير.. مفهوم تخطّى بي الوقوف خلف جدران الصمت تخاذلاً عن الخلل، إلى الانطلاق قفزًا فوق سطور مرصدي؛ للإشادة بالمصلح علانية، وتسليط الضوء على المفسد علانية.. فهل عليَّ لوم في ذلك؟! اليوم بتُّ أنبشُ في مواطنتي عن المثاليات، وأحرص أن يتجاوز خطو مرصدي عثرات الارتجالية. لستُ ملائكية، ومسالكي ليست دائمًا تقودني إلى عتبات الكمال فيما أرصده. فالكمال المطلق لله وحده، ولكني إنسانة تحاول وتجتهد كي تفوكس على أبعاد المشهد الواقع، لأنقل الصورة الحقيقية والمثالية قدر الإمكان للمواطَنة الحقّة كما أتمناها. أمام أي خلل كنت أشهده، أو أعيشه، أو أسمع عنه ليس مطلوبًا مني أن أقف مكتوفة الأيدي، وأعمل على تلميع بعض التلوّث الذي شوّه ألوان الصورة، وليس مطلوبًا مني أن أخرس قلمي حين أرى بعض الجانحين عن المواطنة الحقّة يسعون إلى إحداث ثقوب في نسيجها. حين أصوّب سهام مرصدي على أيّ خلل حاصل، سواءً كان ذاك الخلل اجتماعيًّا، أو مهنيًّا، فهذا لا يعني أنّي لا أرى إلاّ الجوانب المظلمة في مجتمعي!، أو أن سطوري لا تعدو عن كونها فقط تصفية حسابات.. لا.. وألف لا.. كل ما هنالك أنّي راصدة تعشق وطنها، وهذا العشق في منظور وطنيتي الخالصة لن يستقيم إلاّ بتمام بناء السلوك الوطني من باب كمال الولاء لهذه الأرض، وهذا حقّه عليَّ، كي أنجو بقيمي من سرادقات الإفلاس الأخلاقي في وطنيتي.. ومن حقي كمواطنة أن أرصد واقع مجتمعي إيجابًا وسلبًا.. رضي مَن رضي، وأبى مَن أبى.. فهل عليَّ لوم في ذلك؟! أيامًا عديدة كانت سطور مرصدي تغيب وتتنقل بين المشاهد.. توثّق وتحلّل وتنتقد، إلاّ أنها في نهاية الأمر كانت تأبى إلاّ أن تعود لتستكين بين أحضان معشوقها فتذوب في الصورة واللون والتفاصيل.. توثق وتحلل وتنتقد.. فهل عليَّ لوم في ذلك؟! ** مرصد: كانت الدعوة التي كنت أسمعها مرارًا وتكرارًا من والديَّ -رحمهما الله-: "الله لا يغيّر علينا". وكانوا يعنون بها كمال ومثالية الولاء.. وطنًا وقادةً وشعبًا، حتى تشرَّبت روحي هذا المفهوم، وانعكس على سلوكي الرافض لكلِّ مَن يحاول شرخ هذا البُعد الوطنيّ بأيّ صورة، وأيّ لون، وأيّ تفاصيل.. فأيّ لوم عليَّ في ذلك؟ [email protected]