كنتُ في "مكةالمكرمة" قبل أيام، لتوديع ما تبقى من آثارها وعمارتها القديمة.. لا تزال حركة الإزالة نشطة، ويُقال إنها سوف تمتد لمناطق بعيدة. بحثتُ عن أحيائها التاريخية، فما وجدتُ شيئًا منها.. لم يعد هناك الغزة، أو الشامية، أو حارة الباب، أمّا السكان المجاورون للحرم فقد أُجلوا إلى أحياء جديدة خارج الحدود. وعادت إلى الذاكرة صورة لمكة عشناها، لا تغيب أبدًا، يوم كانت الأحياء التي تحيط بالحرم، يشكّل كلّ حي منها كيانًا قائمًا بذاته.. مركز الشرطة الذي يشعرنا بوجود الحكومة بيننا، فنزداد اطمئنانًا. ومقر العمدة الذي كان لشخصيته حيثية، والبازان الذي يغذّي البيوت بالماء، وسوق الخضار، والفوّال، واللبّان، والحلاّق، وكل ما يحتاج إليه سكان الحي من خدمات. وشعرت بغربة وأنا أسير في الساحات التي كانت تحتضن حي منزلنا.. اختفى كل شيء، لا تجد للمنازل أثرًا، ولا للأشخاص، ولا لأولاد الحارة، وأشقيائها، ودراويشها.. أمة خلت.. تظن وأنت في الحرم أنك داخل مدينة لضخامة العمل.. لا شك أنها توسعة تاريخية.. فات الوقت للحديث عن ضرورة تخطيط المنطقة، وأن يوضع في الاعتبار الطرق، والمسالك، والميادين، ونظام السير. أمّا المحلات التجارية المحيطة بالحرم، فلم أجد فيها دكاكين الحاج وعم سراج دودة، والبوقري للمعصوب، وأبو جعفر للمشروبات الغازية.. تظن وأنت تسير في هذا المحيط أنك في سوق لا علاقة لها بالجزيرة العربية، من حيث الأشخاص، واللغات، ورائحة المكان. ليعمرك الله يا مكة!!