قلت في مداخلة تلفزيونية أن إحدى أكبر عقبات تطوير التعليم في بلادنا تتمثل في تضخم الإدارة الوسطى ، وأعني إدارات ومكاتب التربية والتعليم ، فتلك الإدارات البيروقراطية التي تقع بين الوزارة (كمخطط ومنظم ومطور ومشرف على العملية التعليمية) وبين المدرسة (كمصنع وأداة مباشرة للتكوين والبناء) قد أضعفت بعراقيلها وهوامشها التي لا تنتهي ، من دور المدرسة كصانع حقيقي ومباشر للطالب . وكما أنه من غير الممكن الحصول على منتج جيد من خلال مصنع متهالك ومثقل بالقيود والعراقيل الإدارية ، فإنه من غير الممكن أيضاً الحصول على منتج تعليمي جيد من خلال مدارس أثقلتها إدارات التعليم بقيود لا تنتهي وسلبتها كل قدراتها على الإصلاح والتطوير . ويمكن القول إنه أمام كل كيلوغرام من الشحوم تكتسبه تلك الإدارات ؛ تخسر المدرسة بالمقابل كيلوغراماَ من وزنها وتأثيرها وفعاليتها ، حتى وصلت مدارسنا حداً من الضعف والهزال لا تستطيع معه معالجة سلبياتها ولا تقويم اعوجاجاتها الداخلية .. ثم يأتي من يسأل : لماذا تدهور التعليم في بلادنا ؟! طالب الكثير من التربويين والكتاب بتخفيض عدد المسئولين والموظفين في إدارات التعليم ومكاتب التربية لأكثر من النصف .. لكنني اليوم أطالب بتجاوز هذه الإدارات والقفز عليها كلياً ، وتطبيق تجربة المدارس المستقلة وهو مفهوم جديد للتعليم بدأ في أميركا وأثبت كفاءته في العديد من دول العالم، وهي مدارس مستقلة إدارياً ومالياً ، تستطيع معالجة احتياجات المعلمين المالية والإدارية دون الرجوع لأحد ، وكذلك تستطيع اختيار الكفاءات التعليمية والإدارية بنفسها ، كما أن لديها الصلاحية لإدارة مرافقها ومنشآتها التعليمية وتطويرها وصيانتها، وهذه المدارس التي يشرف عليها هيئة تشبه مجالس الأمناء في الجامعات تعمل ضمن ميزانية معلنة ومستقلة لتسيير أمورها التعليمية والإدارية بدءاً بالإشراف التربوي، وليس انتهاء بتحديد معايير تقويم أداء المعلمين، وتحديد آلية ومعايير المكافآت والعقوبات ومحاسبة المقصرين دون تدخلات بيروقراطية قد تعيق حركتها ،وقد أثبتت هذه المدارس نجاحاً كبيراً في أميركا حيث أقر قانون المدارس المستقلة حتى الآن في 46 ولاية رغم انه لم يصدر إلا في العام 1991 م . أكاد أجزم أن واحداً من أكبر أسباب خمولنا التعليمي هو التضخم غير الصحي لإدارات التعليم ، لذا بات من المهم جداً صياغة رؤية تعليمية جديدة واتجاه إصلاحي يعطي للمدرسة المزيد من الاستقلالية ، ويخفف عن كاهلها كثيراً من شحوم بيروقراطية وروتين تلك الإدارات التي أضحت عائقاً حقيقياً أمام تطور التعليم بعد أن صارت ملجأ للكسالى والمتسلقين وأصحاب كروت الواسطة المدارس المستقلة تجربة تستحق التجربة . [email protected]