سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لكي لا يقع الأكراد في المصيدة ليس مستبعدًا أن تصبح قضية كوباني مصيدةً لأهل المنطقة بشكلٍ عام، ومصيدةً للسوريين تحديدًا، بحيث يتم ترسيخ شرخٍ كبير؛ وإحداثُ قطيعةٍ نهائية بين العرب والأكراد في سوريا
بغض النظر عن كل شيء، من المؤكد أن عقلاء الأكراد، وهم كُثُر، باتوا يدركون أن ثمة شيئًا غير طبيعي في قضية كوباني (عين العرب). والذي يحاول النظر إلى الصورة بكل أبعادها يُدرك أن المشهد يبدو (سورياليًا) في غرابته، وفي تناقضه مع الحد الأدنى من مقتضيات العقل والمنطق. فما يجري في تلك المنطقة من سوريا يتجاوز، فيما نحسب، مسألة سقوط كوباني أو عدم سقوطها إلى ما هو أبعدُ بكثير. والراجح أن تطويلَ و(مطمطة) هذه القضية بهذا الشكل يهدف لتحقيق أهداف سياسية تدخل في إطار استراتيجياتٍ أكبر. بهذا الوصف، ليس مستبعدًا أن تصبح قضية كوباني مصيدةً لأهل المنطقة بشكلٍ عام، ومصيدةً للسوريين تحديدًا، بحيث يتم ترسيخ شرخٍ كبير وإحداثُ قطيعةٍ نهائية بين العرب والأكراد في سوريا. وإذا كان مطلوبًا تفهمُ مواقف كثيرٍ من القوى الكردية بسبب المآسي التي جرت وتجري، ويمكن أن تجري، في كوباني، إلا أن من المطلوب أيضًا تجنب التعامل مع الموضوع بأسره انطلاقًا من العواطف والضغوط النفسية التي تخلقها تفاصيله الميدانية. هذا لا يبدو نوعًا من التفكير المثالي الذي يُطالبُ به الأكراد وحدهم، لأن من الواضح أنه صار قدرًا يجب أن يتعايش معه السوريون جميعًا. من هنا، يُصبح التركيز على ما يحصل في كوباني، مع التجاهل الذي رآه ويراه السوريون لما جرى ويجري منذ قرابة أربع سنوات في بلادهم، وصفةً مثالية للوصول بالعلاقة بين العرب والأكراد إلى مرحلة القطيعة والعداوة. لا داعي للدخول في تفاصيل التاريخ، والحديث عن فخر العرب بصلاح الدين واعتبارهم إياه من أعظم أبطال التاريخ العربي والإسلامي. لا داعي للحديث عن الماضي القريب فيما يتعلق بالتعايش العربي الكردي، في سوريا تحديدًا، إلى درجةٍ لم يكن فيها السوري العربي يعرف أن جاره أو صديقه أو شريكه كردي، ولم يكن يخطر في باله أن يسأل عن ذلك أصلًا. سندخل فورًا في خبرٍ نقلته وكالات الأنباء يقول: "قصفت طائرات النظام الحربية والمروحية بأكثر من 54 غارة وبرميلًا متفجرًا مناطق مختلفة في البلاد"، حصل هذا يوم الأحد الماضي بتاريخ 12/10/2014 فقط. وخلال الأسبوع الماضي وحده، قصف النظام، إضافةً للمناطق المذكورة أعلاه، بالمدفعية وراجمات الصواريخ وقذائف الهاون والبراميل المتفجرة، وأصناف متنوعة من الصواريخ منها، غير الصواريخ العادية، صواريخُ فراغية، وأخرى تحمل مواد سامة متنوعة، وقذائف انشطارية وقنابل عنقودية، وغيرها من أنواع القذائف، أكثر من خمس وسبعين منطقة في أنحاء سوريا. ندرك أن الأكراد مشغولون بكوباني، لكنهم، إن بحثوا قليلًا عن أسماء تلك المناطق، فسيجدون أنها تقع فعلًا في سوريا، وأن فيها سوريين، وأن أهلها أيضًا يُحاصَرون ويُهجَّرون ويُقتلون ويُعتقلون، بل ويُذبحون، ليس فقط بالسيوف والسكاكين، وإنما بكل أنواع أسلحة الذبح والسلخ والقتل الواردة أعلاه. وإذا كان بعضها بعيدًا عن أسماعهم، فسيجدون أن كثيرًا منها لا يبعد عن كوباني نفسها إلا بضعة كيلومترات. فوق هذا. من الضرورة بمكان أن يتذكر الأكراد ما يُفترض أنه أصبح حقيقةً واضحة تتمثل في أن التطرف والإرهاب ملةٌ واحدة كما هو. ولا يمكن حصرهُ في جماعةٍ أو مذهبٍ أو عرق. فهذه صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية تنقل عن السلطات الكردية أن مجموعات من الشباب الأكراد انضموا إلى تنظيم (داعش) خلال الأشهر الأخيرة. وها هي وكالات الأنباء تتناقل صور وأخبار أبوخطاب، أحد أشهر قادة (داعش) الذين يهاجمون كوباني، ذاكرةً أنه كرديٌ من السليمانية، مع مشاهد له يرفع فيها شعار (داعش) أمام جثامين المقاتلين (الأعداء) من أبناء جلدته الأكراد في كوباني!.. وتضيف أنها ستقدم في الأيام الأخيرة تعزيزات من بلدتي جرابلس ومنبج ضمت بعض الشباب الكرد المنتمين ل(داعش)، وأن هذه التعزيزات تمكنت من مساندة أكثر من هجوم شنته قوات النخبة بقيادة أبوخطاب لاقتحام كوباني خلال الأيام الماضية. هذا فضلًا عن مقطع فيديو حيث يتوعد أكراد (داعش) بالدخول إلى كردستان العراق وقطع رقاب الحكام فيها. أكثر من هذا، سمعنا ورأينا كيف أن السلطات الكردية أعلنت في الفترة التي لحقت سقوط الموصل عن اعتقال نحو خمسين شابًا بتهمة الانتماء لتنظيم الدولة، وأن إحصاءات كردية رسمية نُشرت تفيد بمقتل نحو خمسين شابًا آخرين خلال قتالهم في صفوف تنظيم الدولة، وأن وسائل إعلام كردية تتداول تقارير عن تقديم أسر كردية لبلاغات تفيد باختفاء أبنائها، يُعتقد أنهم انضموا إلى (داعش)، وهو ما دفع السلطات الكردية بحسب صحافيين أكراد في أربيل إلى القيام بعدة حملات اعتقال، أسفرت إحداها عن اعتقال ثلاثين شابًا من حلبجة وأطراف أربيل بتهمة الارتباط بداعش، وسط تقديرات تشير إلى أن عدد المنتمين لداعش من الإقليم يتجاوز الخمسمائة. بالمقابل، نعرف جميعًا كيف تم تسليم كوباني، مع كثير من المناطق الكردية، من قبل نظام الأسد إلى حزب PYD الكردي، ونعرف حجم التعاون والتنسيق والدعم الذي تلقاه هذا الحزب من ذلك النظام لمحاولة وأد الثورة، خاصةً في المناطق الكردية الثائرة. لهذا، فإن تجييش العواطف تجاه العرب أو غيرهم في هذه الظروف لن يفيد أحدًا، لكنه لن يفيد الأكراد، ولن يفيد كوباني، على وجه التحديد، ولن يفيد بالتأكيد أن يرفع أكرادٌ العلم الكردي إلى جانب العلم الإسرائيلي في بعض المظاهرات في أوروبا. ولا أن تُرفع صور بشار الأسد وعلمه الأحمر في بعض المظاهرات داخل تركيا. قد تسقط كوباني -لا سمح الله- كما سقطت كثيرٌ من المناطق المحررة بتآمر القريب والبعيد، لكن سقوطها سيكون مختلفًا ومؤلمًا وطويلًا، إذا ساهم الأكراد في الوقوع في الفخ الذي يُنصب للجميع. أما إذا فكروا بالصورة الكاملة المرسومة ملامحُها أعلاه، وعملوا بمقتضياتها، فسيتمكنون سويًا مع باقي السوريين من استرداد كوباني، ومعها كل المناطق السورية المُحتلة. قد يفيد كثيرًا في هذا المجال العودة إلى تصريحات الرئيس مسعود برزاني العقلانية منذ أيام بخصوص الموضوع، والتفكير فيها كثيرًا، فهو يعرف عماذا يتكلم بالتأكيد. وسيفيد أيضًا التأمل في هذا النداء الذي صدر من أحد أبناء كوباني، يقول فيه: "أنا وحيد تمو.. الكردي السوري من كوباني.. أطالب التحالف الدولي بإنقاذ ما تبقى من حي الوعر.. إخوتي في الوطن.. يتعرضون لإبادة". [email protected]