بات لدى البعض حساسية مفرطة تجاه أي إشادة يسمعها، فأول ما يتبادر لمخيلته أن الأمر لا يعدو كونه تطبيلاً، وكلاماً ممجوجاً لا طائل من ورائه سوى مجاملة ومحاباة الشخص أو الجهة المعنية بالإشادة؛ ولهذا ثمة من يلتزم الصمت ويكبح جماح إعجابه إزاء مشروع أو عمل ما خشية ردة فعل المتلقي، لاسيما حينما يطل عبر وسيلة إعلامية تبث آراءه للجمهور، وكأن قول الحق وتشجيع المحسن على إحسانه، موضع تهمة يتحاشى من يتصدر المنابر التطرق لها، لقد تبلورت هذه الثقافة وتشكلت في أوساط المجتمع، فصار يستقبل النقد أياً كان هدفه، وينبذ الإشادة حتى لو كانت في مكانها الصحيح، ولا يُقصد منها تملق أو تزلف. المشكلة أننا صرنا نرى من يركب موجة النقد، ويرمي بسهامه هنا وهناك، فيخطئ أكثر مما يصيب، وقد يتحدث عن أحداث وقضايا لا يعرف عنها إلا القليل، وبعد ذلك يقول هدفنا الإصلاح والنقد البناء، بينما هدفه المكنون في نفسه هو كسب الناس البسطاء، واللعب على مشاعرهم واحتياجاتهم بطرق ملتوية، وأولاً وأخيراً سعيه الحثيث وراء أمجاد شخصية، ومآرب في مقدمتها أن يسطع نجمه في سماء الإعلام بغض النظر عما يُسوق له من بضاعة مزجاة، قد تثير البلبلة، وتألب الرأي العام دون وجه حق. إن للإشادة دورًا مهمًا في إبراز كل نشاط إنساني أو عمل نبيل؛ ليظهر للملأ، فيكون حافزًا ونبراسًا يُحتذى، ثم إن الإنسان بطبعه يزداد عطاؤه حينما يجد الدعم المعنوي لما ينجزه من مهام، وبالمناسبة لدينا إشكالية واضحة في التمييز بين الإنسان المُجد المخلص، وبين الآخر المتكاسل المقصر في عمله، ومحصلة ذلك قتل جذوة الإبداع والتميز في نفوس المتحمسين. يا قوم، إن قول أحسنت للمحسن من العدل، وقول أسأت للمسيء من الإنصاف، فلنضع الأمور في نصابها الصحيح، ولنتلمس الحق، ونتحرى الصدق، ولا نخشى لومة لائم في إظهار الإشادة، والصدع بها طالما المُشاد به أهل لذلك. عايض الميلبي – ينبع