الفساد بجميع أنواعه وأشكاله موجود في كل مجتمع، ولكن تتفاوت درجته من مجتمع لآخر، حسب رغبته في محاربته والقضاء عليه. ونحن في بلادنا بعد أن فاحت رائحة الفساد، أنشأنا له هيئة مستقلة لمكافحته، وهي الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة)، ولكننا وجدنا بعد ذلك أنها لا تملك صلاحيات القضاء عليه، لكون أن دورها محدود ولا يتجاوز دور التلميذ الذي يفتن على زملائه لمعلم الفصل عند ارتكابهم أي خطأ، دون أن تكون له أي صلاحية ليعدل مسار التلاميذ أو معاقبتهم. وبالتالي، يصبح ذلك التلميذ منبوذاً من كل زملائه في الفصل، ليشتكي بعد ذلك من عدم محبتهم له وتعاونهم معه، وهذا هو حال (نزاهة) مع الأجهزة الحكومية الأخرى. والمحزن في الأمر أن تكون الهيئة بفروعها بصلاحيات محدودة جداً، فلا نحن قضينا على الفساد قبل إنشائها ولا بعده. عموماً، (نزاهة) ليست موضوعنا هنا، وعذراً على الإطالة عليكم بخصوصها، ولكنني أردت أن أذكركم بوضعها، المعروف لديكم، لكون أن هناك احتمالية أن تظهر لنا هيئة جديدة متعلقة بوجه آخر من أوجه الفساد وهو تعثر المشاريع . نعم هيئة جديدة، فقد رفعت هيئة الرقابة والتحقيق إلى المقام السامي مقترحاً بإنشاء هيئة مستقلة تعنى بدراسة احتياجات الجهات الحكومية من المشروعات المعتمدة، وتوحيد إجراءات الإعلان والترسية لها وتحديد المقاولين وآلية الإشراف وغيره.وأتوقع أن سبب الاقتراح بإنشاء هيئة جديدة هوالنسبة الكبيرة لتعثر المشاريع الحكومية عندنا، الذي وصل إلى (30%)، وبقيمة تصل إلى (120) مليار ريال، وفقاً (لنزاهة)!. وما نخشاه، في حال إنشاء هذه الهيئة الجديدة، هو أن يكون حالها مثل حال (نزاهة)،بأن لا تستطيع القيام بأي شيء، ثم ننشئ هيئة أخرى وهكذا ليصبح الفساد لدينا مركباً بشكل يصعب معه القضاء عليه. في حين أن أسباب تعثر المشاريع الحكومية معلومة ولا تحتاج لهيئة جديدة، والتي منها نظام المشتريات الحكومية وترسية المشاريع على العطاء الأقل، بالإضافة إلى ترسية مشاريع على جهات بعينها حتى لو لم يكن لديها الكفاءة الكافية لتنفيذ المشروع، وغير ذلك من الأمور والأوجه التي نعلمها . ولنكن صادقين مع أنفسنا، إذا كنا فعلاً نريد القضاء على الفساد، فالأمر لا يحتاج لكل هذه الهيئات وتشبيك الأمور وتعقيدها ببعض، وكل ما نحتاجه هو معاقبة كل من يخالف النظام ويتعدى على المال العام بكل صرامة، وتطبيق النظام على الجميع،وليس معاقبة البعض وغض الطرف عن البعض الآخر، وبذلك نكون على الطريق الصحيح لمحاربة الفساد. أما إذا ظل الوضع كما هو عليه، فلن نقضي على الفساد حتى لو أنشأنا مائة هيئة لمكافحته. [email protected]