تقوم نزاهة بحملة إعلامية ضخمة في وسائل الإعلام المحلية ضد استخدام السيارات الحكومية لغير المهمات الرسمية، وهذا جهد تشكر عليه، لكن السؤال هل الفساد انحصر في هذه الجزئية؟ أحس أن هذه الحملة الإعلانية في صحفنا هي هروب من محاربة الفساد الحقيقي في أجهزتنا الرسمية، هيئة مكافحة الفساد تبدو أنها جهة تدلنا على مكامن الخلل على أوجه الفساد، فلقد اطلعت على رد إدارة الإعلام مثلاً قبل أيام عن تعثر إسكان الجوف الذي ذكرت الصحف المحلية أنه تأخر وتعثر تنفيذه لمدة عامين، وكان رد نزاهة يتركز على قيمة المشروع الذي ذكرت الصحف بأنه بالمليارات، وهو في الحقيقة بالملايين، نزاهة وللأسف ركزت على قيمة المشروع، لكن أعتقد أن اختلاف قيمة المشروع سواء بالمليارات أم الملايين أم الآلاف فيجب ألا تقف أمامه نزاهة، فالخلل في التنفيذ والتعثر هو الذي يجب أن تنبشه وتكشفه للرأي العام، والحقيقة أن نزاهة تحارب هوامش الفساد، وتتأمل الفساد الحقيقي في أجهزتنا الحكومية، ومن يتابع حملتها ضد استخدام السيارات الحكومية لغير المهمات الرسمية، يتصور مثلاً أن الفساد انحصر في هذه الجزئية، لكن الحال لو كان كذلك لرفعنا العقال احتراماً لهذه الهيئة، لكن الوضع هو غير ذلك بخاصة أن هناك مسؤولي في الدولة يصرحون صباح مساء أن تعثر المشاريع الحكومية ليست خاصة بالمملكة، بل إنها موجودة في كل دول العالم، وهذا ليس بدقيق، فمن يتابع الصحافة المحلية يكتشف أن نزاهة مثلاً تركز على الفساد في مشاريع في الأطراف كمستشفى ومستوصف في قرانا النائية، لكننا لم نسمع مثلاً أي دور عن نزاهة في مشاريع ومناقصات ضخمة في مدننا الرئيسة، والسؤال هل هناك خلل في صلاحيات نزاهة؟ وهل هي جهة رقابية فقط؟ وتحيل ما تكتشفه من مظاهر الفساد إلى جهات التحقيق، أي هل يوجد خلل في نظامها الأساسي؟ فإذا كانت مهمتها هي كشف أوجه الفساد في مؤسساتنا، ويقف دورها عند هذا الحد، فأعتقد أن الصحافة الورقية والإلكترونية تقوم بدور أكثر فعالية من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والدليل على ذلك أن معظم قضايا الفساد والخلل في الأجهزة الرسمية تكشف عنها الصحافة وليست نزاهة مثيلاً، ولا أعقد أن دورها هو التعقيب على ما نشرته الصحافة من مواضيع لها علاقة بالفساد. من أنشطة هيئة مكافحة الفساد مثلاً التي تثير التساؤل في الفترة الأخيرة هو مشاركتها في موسم الحج الذي أصبح ديدن كثير من الأجهزة الرسمية التي قد لا يكون لها علاقة بأنشطة الحج، إلا إذا أصدرت نزاهة تقريراً مثلاً عن أوجه القصور في الحج الذي لم تقم به حتى الآن، والذي لم أسمع أنها أصدرته في الأعوام الماضية، أو على أقل تقدير تخبرنا ما المهمات التي تتصدى لها في موسم الحج، لكن الخوف أنها فضلت المشاركة في هذه المناسبة الدينية كما الكثير من الأجهزة الحكومية، والذي ليس لها أدوار مهمة في موسم الحج، اللهم المشاركة فقط، ونفع بعض موظفيها بانتدابات وغيرها في هذه الشعيرة المقدسة. لكي تكسب نزاهة قوة وفعالية في محاربة الفساد عليها أن تبتعد عن القضايا التي لا تمس الموطنين، وتركز على الهوامير في الفساد الإداري، لكي تكسب ثقة القيادة والشارع، بخاصة أن إنشاء هذه الهيئة المؤسسة أتت كجزء مهم من مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز للإصلاح بعد توليه الحكم وارتباطها به مباشرة، إلا أننا يجب أن نكون صرحين ومحبين لنزاهة، فهي تعمل الندوات والمشاركات الخارجية، إلا أن هذا ليس بمهنتها بل عملها في الداخل وعلى الرؤوس الكبيرة، ويمكن أن يكون لنزاهة دور في ترسية المشاريع الحكومية، وأن تكون حاضرة في تلك اللجان لضمان الشفافية.