ليس هناك أكثر من الأفراد الذين لا يستطيعون أن ينفردوا في وضع خطّة، أو تقرير أمر، أو إطلاق رأي دون توجيه أو مساعدة ممّن هم محل ثقتهم. فما أكثر أولئك الذين يسوقهن الشعور الباطل إلى أن يسألوا آباءهم أو أمهاتهم، أو ممّن يضعون ثقتهم فيهم عمّا يجب أن يعملوه في كل شؤونهم، حتى تلك الأمور التي لا تعدو أن تكون من سفاسف الحياة اليومية. ليس هذا فحسب، بل إن هناك من يتلقّون العقيدة والدين وفق رأي أحد علماء الدين، ويتبنّون ذلك الرأي، ويتخذونه منهجًا دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء البحث عن صحّته، أو خطئه. كما درج الكثيرون على تلقي القيم الأخلاقية والمبادئ من أيدي أشخاص بعينهم، دون أن يزنوا ذلك بميزان الخلق القويم، والسلوك السليم. وآخرون يعتمدون في أذواقهم وفي مقاييسهم الاجتماعية ما هو سائد من عادات وأعراف وتقاليد دون أن يناقش صحة ذلك أو عدم صحّته. وغيرهم يستمّدون موقفهم السياسي كلّه من شخص ما أو برنامج يشاهدونه، هؤلاء يظلّون كذلك منذ نشأتهم إلى أن يصبحوا كهولاً أو شيوخًا. وهم من أسمّيهم (الأطفال الكبار)؛ لأنهم يكبرون في العمر لكنهم يظلّون أطفالاً من حيث نموّهم السيكولوجي. فكما الطفل يتعلّق بوالديه، ويشعر بالأمان بتقليدهما، والسير وفق توجيهاتهما.. يظل هؤلاء لا يقدرون على التحرّر من الاعتماد على الآخرين في اقتباس مواقفهم، وآرائهم، وخططهم، والطفل يكبر وينضج ويبحث عن الاستقلال، بينما يظل هؤلاء طفيليات، أو عالات غير قادرين على الاستقلال. ومشكلة هؤلاء ليست في عدم استقلالهم فقط. وإنما في عدم نضجهم الفكري والنفسي الذي يجعل لديهم حرجًا في الصدر وعدم مرونة وتشبُّثًا بما ألفوه واعتنقوه مهما كانت نسبة الخطأ فيه، وذلك لأنهم يخافون التغيير، ويعانون من قلة الخبرة والاختبار للأشياء الجديدة؛ ممّا يعيق لديهم التطوّر السوي. ويجعلهم محدودي الأفق، صعبي المراس، لديهم جمود. وهم بذلك يشكلّون خطرًا على الحياة الناضجة المتطوّرة التي تخضع إلى التخطيط، وتحتاج إلى المرونة، وترفض النزعات الهيستيرية الرافضة للتحرّر من الجمود والتغيير. إننا نعاني في مجتمعنا من هؤلاء الذين يعيشون أطفالاً رغم كبر سنهم. لأنهم عبء على الحياة والمجتمع وحجر عثرة في طريق تقدّمه وتحرّره من الأخطاء. لذا نحن بحاجة إلى توعية أسرية واجتماعية وتربوية بضرورة أن يتعلّم المرء قيادة نفسه، والتوسّع في أفكاره وعدم المحاكاة العمياء. وتعلّم كيفية تكوين الرأي وتشكيل الموقف وفق المعايير الصحيحة، وليس وفق التقليد والمحاكاة. [email protected]