في كثير من المجالس العامة يتداول الناس أحاديث أقرب إلى الخيال عن امتلاك زيد أو عبيد لمساحات هائلة من الأراضي العامة، تدخل عادة في خانات الملايين من الأمتار بلا تهويل ولا تحفّظ. وكنت أحسب أن الناس يبالغون أو هم يسخرون! لكن يبدو أن الحقيقة هي كذلك، وربما أكثر من ذلك! وفي عدد 26 أغسطس نشرت هذه الصحيفة خبرًا عن مصادر مطّلعة في وزارة العدل، يؤكد إجراء تحقيقات عدلية في صكوك استحكام مضروبة، صدرت عن كتابات عدل تتجاوز قيمتها المالية عشرات المليارات من الريالات. وذكر الخبر أن أكثر الصكوك المضروبة المتحفّظ عليها تعكس (بكل أسى وأسف مستوى عبث عدد من ضعفاء النفوس بالمصلحة العامة، وبحقوق المواطنين الخاصة. وأكثرها تتركز على إضافة مساحات شاسعة على مشمول الصك الأصلي، وعلى تزوير الصكوك، وتزوير مساحات، والحصول على صكوك لا رصيد لها). كم من الهمس يدور حول (كتّاب عدل) امتهنوا هذا العبث، فأثرى بعضهم سريعًا، كما أثرى غيرهم من موظفي الدولة الذين خُوّلوا صلاحيات منفردة للبت في قضايا شائكة، كذلك القيادي في أمانة المنطقة الشرقية الذي ثبت استلامه رشاوى تجاوزت 6 ملايين ريال بصفته مديرًا لإدارة التخطيط العمراني في الأمانة (المدينة 25 أغسطس). كم من المخططات التي اعتمدت من كتّاب عدل مقابل تخصيص عدد من قطعها (لفضيلته)، أو لهامور آخر في إدارة أخرى بيده دواة وقلم تجيز من تحت الطاولة ما يُخفى وما يُعلم. ولا ريب أن الآليات القديمة المعتمدة حتى وقت قريب هي جزء من المشكلة، فهي تضع الصلاحيات في يد أفراد، في حين كان الأولى أن تكون بيد لجان ومجموعات يمثل أعضاؤها جهات متعددة. حتمًا لن يتم القضاء على الفساد كله، لكن خنقه واجب، والتضييق عليه مطلوب. ومن الأمانة أن يسبق ذلك حسن الاختيار، ثم تعقبه دقة المراقبة وشديد المساءلة، حتى لا يُستغل نفوذ، ولا يضيع حق، ولا تقوى للفساد شوكة، وحتى لا تصبح الرشوة سهلة والحرام قنطرة. هنا لا يليق رفع شعار (عفا الله عمّا سلف)، بل الواجب نبش كل الملفات القديمة، فالصمت إزاءها بلاء وتلف!! [email protected]