المتأمل في واقعنا الاجتماعي , يستغرب كثيراً من تصرفات يصعب فهمها واستيعابها , وأحياناً ينتابه شعور بالحيرة من مفارقات لا يجد لها تفسيراً منطقياً , لا أحب أن أعطيها اسماً غير تصرفات مجتمعية تستحق الدراسة ,وفي الخاطر نماذج تدور بذهني , فبماذا نصف رجلاً بكامل قواه العقلية , وافق عن رضا وقناعة على خطبة ابنته القاصر التي لم يتجاوز عمرها الثامنة لرجل مسن له زوجتان , مقابل إغراء مادي أو تنازل عن دَين للمسن على والدها , فجذبه العرض المقدم الذي لا يستحق أن نسميه المهر , نعم إنه عرض بيع وشراء لصغيرته التي جعلها سلعة , فقد كثرت في الآونة الأخيرة مثل هذه التجارة البغيضة . ومن التصرفات غير المحسوبة ولا اللائقة أيضاً أننا نرى أسراً أنعم الله تبارك وتعالى عليها ببحبوحة العيش والنعمة , التي نسأل الله أن يديمها على الجميع وأن يزيدهم من فضله , ولكننا نعيب عليهم رميهم بما لذَّ وطاب من بقايا الطعام والشراب في القمائم , بينما يعيش آخرون حياة الكفاف , ويتضورون جوعاً, أما كان الأجدى بهؤلاء الميسورين أن يقدموا للمحتاجين فضل زادهم , وأن يجودوا بفضل أثاثهم الذي تم تجديده لمن لا أثاث له , وأن يقدموا ملابس أطفالهم غير المستعملة لأطفال المحتاجين . وماذا عن أولئك الفضوليين الذين لا هم لهم سوى التنقيب عبر النت عن صورة أو تصريح لمسؤول , والتعليق عليه بلغة نابية مخجلة, ومجردة من الموضوعية بدافع تعبئة الوقت في تفاهات تدخله في دائرة النمامين , فإذا كانت أسباب تلك التصرفات نتيجة غفلة أو عدم وعي , أما كان الأحرى بعلمائنا الأجلاء وسائر فئات الشعب المستنيرة , من أكاديميين ومثقفين ودعاة ومرشدين اجتماعيين وإعلاميين وطلاب , أن يكون لهم دور فاعل في التوعية والإرشاد وتوحيد المفاهيم , حتى لا يُنظر للمعقول وغير المعقول بمنظار واحد , فتصرفنا هذه النظرة عن إصلاح تصرفات قد تشوه سمعتنا وتسيء إلى ديننا ودنيانا , دون أن نميز بين الممنوع والمسموح , وحتى لا نكون مجتمع المفارقات غير المبررة والتناقضات غير المنطقية , فنوصف بأننا جناة وضحايا في وقت واحد , ولله در مجتمع عرف أخطاءه فعالجها بعلم علمائه وحكمة حكمائه , فما فائدة العلم والحكمة إذا كنا نرمي أخطاءنا وراء ظهورنا , ومن تنتظر منهم كلمة الحق لا يحركون ساكناً ولا يصلحون عيباً ؟ . [email protected]