سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أفراحنا.. من الوعظ إلى الصخب! رأيي -السابق واللاحق- ألا يشغل فراغ مناسبات الأفراح بوعظٍ ولا بصخب؛ فلا الوعظ يكفل للعريس حياة سعيدة مستقرة، ولا الصخب يرفعه وأهله وقبيلته عن قدرهم
تحتفظ الذاكرة بكم هائل من الأحداث والمتغيرات المتلاحقة التي شهدها المجتمع خلال العقود الثلاثة المنصرمة؛ نتيجة تعرضه لعدد من التيارات والأفكار التي كُتِب لبعضها البقاء، وذهب الزبد منها جفاءً. وعند البحث في دهاليز الذاكرة منتصفَ الثمانينيات حتى أواخر التسعينيات تبرز لنا بعض الأفكار التي تلقفها المجتمع وآمن بها وتمثلها في تعاملاته وشؤون حياته. دعونا نأخذ (الأفراح) نموذجًا؛ لنتعرف على ما اكتنفها من تحولات أخذت بها ذات اليمين وذات الشمال. الأفراح أو ما يُعرَف ب (مناسبات الزواج) كانت -قبل دخول الكهرباء- تنتهي في حدود صلاة العشاء، هذا إذا تأخرت؛ نظرًا لانعدام وسائل الإنارة الحديثة. ومع دخول الكهرباء للمنازل تمطَّى وقت الفرح ليستمر إلى منتصف الليل، وعند مَن قُلِبت لديه موازين الفطرة يتطاول حتى بزوغ شمس النهار، وبالتالي نشأ (فراغ) كبير في مناسبات الأفراح. وبالعودة لفترة منتصف الثمانينيات وأواخر التسعينيات نجد أن تيار (الصحوة) كان له القدح المعلى، وحظي بإقبال شرائح كبيرة من المجتمع، بالرغم من نشوء تيار مضاد هو تيار (الحداثة) الذي كان لتيار الصحوةِ الفضلُ في ذيوعه وانتشاره بحسب ما يؤكده الدكتور الغذامي في توريقته بثقافية الجزيرة، حينما ذكر أن "هجمة الصحوة ضخمت الصورة بأضعاف حقيقتها حتى وضعتها في واجهة المنابر". وبالعودة للفراغ الناشئ في مناسبات الأفراح نتيجة دخول الكهرباء نجد أن الصحوة دلفت إلى معظم تلك المناسبات فحولتها إلى (وعظ) يركز على آداب الزواج وما يجب على الزوجين من أحكام. وعندما تكاثر وعظ المناسبات وشكَّل ظاهرة، جُوبِهَ بردة فعل مردها إلى كون هذه المناسبات فرصة لالتقاء الأقارب والزملاء والأصدقاء وتبادل الأحاديث فيما بينهم، بالتالي فإقامة مثل هذه المواعظ يقضي على حميمية تلك اللقاءات ويجعلها مسكونة بالصمت، اللهم إلا من صوت الواعظ الهادر. ومع نهاية التسعينيات تراجعت هيمنة الوعظ المناسباتي وانحسرت فرص إقامته، فعاد الناس إلى طبيعتهم الأولى، فخلا لهم الجو لتبادل الأحاديث مع أقاربهم وزملائهم وأصدقائهم خاصة ممن نأت بهم الديار وتضاءلت فرص اللقاء بينهم إلا في مثل هذه المناسبات. لم يدم الأمر طويلًا حتى أطلَّت (القنوات الشعبية) برأسها، وهو ما حرك في البعض كوامن دفينة لم تكن لتبرز لولا هذه القنوات. وعلى الفور تلقفوا تلك القنوات بنهم شديد وأفسحوا لها المجال لتوثيق معظم فترات المناسبات، ووصل مددها لاستغلال ذلك الفراغ الذي لم يكن ليُشغَل بعد انحسار الوعظ المناسباتي لولا تواجد هذه القنوات. العجيب في الأمر أن المطالبِين سابقًا بضرورة إفساح ذلك (الفراغ) للقاءات الحميمية وعدم شغله بالوعظ هم أنفسهم مَنِ انقلب على مبدئهم فأشغلوه كله بما يسمى برنامجًا -خلاف العَرضة الشعبية- تُحشَد فيه الكلمات المتورمة بالتبجيل والثناء على العريس وأهله، ويغص بقصائد المدح التي تجعل من العريس وقبيلته في تقوى الملائكة، وشجاعة عنترة، وكرم حاتم، على الرغم من أن ثلثي القبيلة على رأي الدكتور عايض القرني مستفيدون من الضمان الاجتماعي. ما الذي تغير إذن؟ لا شيء؛ وعظٌ أُزيح بحجة الحفاظ على حميمية اللقاءات، وجُلِب مكانه صَخَبُ الكلمات والقصائد، فعدنا إلى المربع الأول، فأين المنادون بقدسية ذلك الفراغ حينما أُشغِل بالوعظ ذات فترة؟ وبعد.. فرأيي -السابق واللاحق- ألا يُشغَل فراغ مناسبات الأفراح بوعظ ولا بصخب؛ فلا الوعظ يكفل للعريس حياة سعيدة مستقرة، ولا الصخب يرفعه وأهلَه وقبيلتَه عن قَدْرِهم. * وقفة: أحد المخلصِين يرجو أن يُخفف إفطار صائم إلى أدنى مستوياته حفاظًا على النعمة، ونظرًا لقِصَر وقت الإفطار، ولثبوت الأجر بإذن الله ولو بشربة ماء. كما يرجو أن يتواجد بعض المحتسبِين قُبيل الإفطار لتبصير الصائمين ببعض الواجبات والضرورات الدينية. [email protected]