(الرضا بالقسمة والنصيب) باب ولجه الكثيرون فوصل بهم إلى الإساءة إلى تفكيرنا الإسلامي حينما جعلوه منفذًا لأخطائهم وعجزهم وتقاعسهم. وحين نسمّي الأشياء بغير أسمائها، ونكسوها ثوبًا يخفي حقيقتها فإنّ النتائج لا تأتي بخير. وذلك لأننا نرى الكثيرين حولنا يسوّغون الفقر والكسل والخمول والعجز عن رد العدوان والقهر والظلم بأنهم راضون بما قُسم لهم!! وبتفكيرهم هذا، وتعليلهم جعلوا صورة التسليم بالقضاء والقدر، والرضا بهما، سبّة في التفكير الإسلامي، وتشويهًا له. فلم يأمرنا ديننا أن نستسلم، ولم يسوّغ لنا ذلك. فمن نزلت به مظلمة يملك ردّها، ويؤتي القدرة على كفّها فإنّ صبره عليها جريمة ورضاه بها معصية. أمّا إذا نزلت به مظلمة يعجز عن دفعها، أو حلّت به لكارثة يعلم أن قواه أضعف من أن تتصدّى لها، فهناك يتوّجب عليه أن يتحملّ ويتصبّر. فالرضا بالقسمة أو القدر لم يكن يومًا سبيلاً لتعليل الكبوات، وهزائم الكسالى، وضعف الخاملين، وتجرّع غصص الظلم والعدوان مع الشعور بالقهر. خطيئة الكثيرين تجاه فهم الكثير من الأمور أنهم يسمّونها بغير أسمائها الحقيقية. فترى الزوجة تتعذّب على يدي الزوج، وتتجرّع الظلم كؤوسًا متتالية، وتعلّل خنوعها وضعفها وتهاونها في حق نفسها بأنها راضية بقسمتها وقدرها، وهي قادرة على كف ذلك العدوان والعكس صحيح. وترى الفاشل الخامل الذي استعذب حياة الخمول والكسل يبرّر ذلك بأنه ذو حظ عاثر، وأنه راضٍ بما قُسم له، وأن نصيبه يأبى أن يبتسم له. وهو صابر على ذلك!! ولا يحرّك ساكنًا!! فيجعل القدر مسؤولاً عن خيباته. إننا نعلم أن المؤمن إذا اُبتلي فصبر نال جزاءً عظيمًا، لكن هذا لم يكن يومًا دعوة لأن يطلب المرء البلاء.. ويدعو على نفسه بالمصائب طالبًا بذلك الثواب والاحتساب. كما لم يكن جزاءً على التقاعس والتواكل والخمول والعجز.. لقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلّم من الهم والحزن والعجز والكسل، وعلّمنا أدعية لطلب تفريج الكرب وزوال الشدائد، وطلب العافية من البلاء، وكل ذلك ليربّى فينا الهمّة، ومصارعة اليأس، والبحث عن الأفضل. أمّا من يظن أن الرضا بما قسم الله يعني تعطيل الإرادة عن العمل، ووقف السعي في تحسين الحال فقد سقط في هاوية عظيمة. إن الإنسان يضلّل نفسه كثيرًا حينما يظن أنّ العمل والسعي والاجتهاد في الحياة مع تكرار المحاولة لتحسين أحواله ودفع الأضرار عنه يتعارض مع إيمانه بالقدر، ورضاه بالمقسوم. إن الرضا المقسوم لم يطلب منا يومًا أن نبدّد قوانا ونعجز عمّا نستطيع دفعه عنا، ونبرّر به خذلاننا لأنفسنا وتضييعنا لحقوقنا، وكسلنا عن تحسين أوضاعنا. لقد أصاب نبي الله أيوبَ مصاب عظيم مكث يعانيه زمنًا طويلاً، وكان بمقدوره أن يدفعه عن نفسه -بإذن الله- إذا ما حاول. وحينما قرّر ذلك فعلاً، ودعا الله غيّر الله حاله، ورفع عنه البلاء. وهذا ما ينبغي على المرء فعله. أن يدافع السوء، ويصارع اليأس، ويأبى الاستسلام. ويحث خطاه نحو سبيل تحسين الحال، وإعمال الإرادة، والجهاد في الحياة. [email protected]