* كيف أنجزتِ «موسوعة نقد النقد».. وما خلاصة التجربة؟. - هذه الموسوعة استغرقت مني جهد خمس سنوات ووجدت في خلاصتها أن ابن الجزيرة العربية هو أصل العالم، وذلك نتاج بحث أكاديمي موضوعي لا يوجد للذاتية فيه مكان، وحسب سيل هائل من المراجع، وأسعي إلى ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية، وقد حصلت الموسوعة على إجازة واعتراف من وزارة الثقافة والإعلام دون كشط كلمة واحدة بفضل الله، وهي تقع في ثلاث مجلدات من القطع الكبير أي ما يقارب من ألف وخمس مائة صفحة وتتناول تطوّر النظريات النقدية المسرحية بالاتكاء على النظريات الفلسفية لأن المسرح كونه فلسفة فلا ينفصل عن ذلك منذ أول نظرية نقدية لدى اليونان مرورًا بالآراء العربية القديمة في النقد ثم آراء الفلاسفة المسلمين وانتهاء بالنظريات الحديثة مثل ما بعد الحداثة والكوانتم والنانو، وكيف أن هذه النظريات تتسلل في عمق ووجدان المتلقى فتصبغ سلوكه وأفكاره دون أن يعلم وهو ما أسميته «الحقن تحت الجلد»، ثم ما آل إليه حال الفرد العربي جراء تعاطي هذه الفلسفات عبر الإعلام والمسرح، كما كشفت من خلال الدراسات والمراجع أن سفينة نوح قد ارتكزت مراسيها في شمال المملكة بالقرب من الحدود مع العراق، وبشكل عام يجب التمحيص والدقيق في كل الآراء، لأن المبدع لا يمكن أن يرضى بالبقاء في صومعة بعيدًا عن الاحتكاك بالآراء المختلفة. * لماذا النقد ولماذا المسرح؟ وما علاقة ذلك بالتراث الذي احتل مكانًا مهمًا في سيرتكِ الإبداعية؟. - النقد والمسرح وجهان لعملة واحدة، والمسرح علم مع فن إلا أنه يرتكز على النقد، والنقد أصبح علمًا حسب النظريات الحديثة لارتباطه بكل العلوم ومن هنا أصبح الكاتب المسرحي الحذق هو من يمتلك فهم ووعي العلوم الأخرى لأنها والمسرح تصب في بوتقة واحدة، فالمسرح في المملكة قديم قدم المسرح في الوطن العربي، إلا أن أحدًا لم يتخصّص فيه كدراسة ونقد من قبل، وهو ما يستحق منا هذا الجهد. ثم أن المسرح هو أبو الفنون وكهف مسحور يقضي على من اقترب منه دون دراية ولكنني قبلت التحدي. * ما علاقة الناقد بالمبدع؟. - علاقة الناقد بالمبدع علاقة تصادمية على الدوام. * ما المشكلات التي ظهرت خلال السنين الماضية، وإلى أي مدى أثرت هذه النهضة في بنية المجتمع السعودي ذي الطبيعة الدينية والفكرية الخاصة؟. - رغم أن العلاقات متغيّرة، إلا أنها تظل مسكونة بالإرث القبلي المجتمعي وهنا تكمن المفارقة، والتطوّر في المملكة تم من خلال النظام الاجتماعي وطفرة التعدين، والطفرة الزراعية أثرت بطبعها وعملت على طفح اجتماعي جديد فأصبح الفرد السعودي بين جيلين نظرًا لسرعة انطلاق سهم التطور، فهو بالأمس القريب كان يحيا حياة القبيلة بكل تقاليدها والتي دوّنتها في موسوعتي، والآن يتلامس مع الدول المتقدمة في التطوّر والتحديث، ولتقارب الزمن بين هاتين الحقبتين إذ لا يتجاوز المائة عامًا، وهذه لمحة بصر في قياس الزمن التاريخي للشعوب. هناك صراع المفاهيم بين جيلين متجاورين، وجيلي هو من تتجاذبه هاتان الحقبتان، لأننا همزة الوصل بينهما، ولاشك أن الهوية الدينية قد عملت على إحداث التوازن لاسيما في وجود الحرمين الشريفين، ولذلك يجب أن نكون المثال أمام العالم الإسلامي دينًا وعقيدةً وتشريعًا حفاظًا على قدسية المكان وانطلاقًا من تجذّر الدين فينا، ومن هنا لم تتأثر العادات والتقاليد في المملكة كإرث قبلي في كنه الشخصية ذاتها، وإنما ظهر بعض التأثر في التراث العمراني والسلوكي وغير ذلك، لكن السعودي مسكون بإرثه القبلي والإسلامي، إلا أن ما يحزنني الأن أن تجد أشخاصًا لا يعملون في مهنهم الخاصة ويُكلفون غيرهم بإقامتها وهذه مشكلة كبيرة ولابد أن يعمل الكل في مجال تخصّصه. * حدثينا عن أهم القضايا التي تتناولينها من خلال كتاباتكِ ومقالاتكِ؟. - من الصعب ذكر القضايا التي طرحتها في مؤلفاتي التي وصلت إلى ثلاثة وخمسين نصًا مسرحيًا وخمسة عشر كتابًا علميًا أو في مقالاتي التي تُنشر أسبوعيًا والعديد من المقالات في صحف ومجلات سابقة، كما أنني أتعب وأدقّق كثيرًا في انتقاء الفكرة لكي تكون وليدة وغير مستهلكة، ولكن هناك ما أثار اهتمامًا واسعًا على المستوى العربي مثل مسرحية «اغتيال المواطن دو» والتي خرجت الجماهير بعدها من المسرح ثائرة حتى امتلأ ميدان الأربعين في مدينة السويس بمصر في منتصف الليل، وكانت تناقش رفض التطبيع مع العدو الإسرائيلي باعتباره بيعًا للانتصارات والتاريخ. * وماذا عن أهم الطقوس التي تمارسينها أثناء الكتابة؟. - دعني أقول لكم أن أصعب ما يواجهني هو عقد العزم على الكتابة، فهي تعتبر العقبة الأولى، بينما أجد أن الجو المحيط بي أثناء ممارسة الكتابة يجب أن يكون ذا طابع رومانسي، وأفضّل قبل الشروع في الكتابة الجلوس ولو لم أكتب لمدة ساعات، ومكتبتي بها 4000 كتاب متنوّعة ولا أعرف أكتب كلمة واحدة في بيتي، وقد توقفت عن الكتابة لمدة عام ونصحني أحد الأطباء بالجلوس بالمكتبة ولو ست ساعات متواصلة دون كتابة، حيث أستدعي الأفكار من خلال ما أطلق به عندي من «الصندوق الأسود». * كيف ترين وضع المرأة في المملكة خاصة اجتماعيًا وفي مجال المسرح؟. - المسرح في المملكة موجود وغير موجود، وبمعنى أوضح جمعية المسرحيين السعوديين حينما سمعت عنها بالمملكة اتصلت على رئيسها أحمد الهديل فقال إنه يديرها من بيته!.. أما بالنسبة لوضع المرأة السعودية فهي تشهد حراكًا جادًا والكثير من النساء حققن إنجازات في مجالات مختلفة من مناحي الحياة العلمية والعملية، ويرجع السبب في ذلك للحب المتبادل بين المرأة والعمل، وقد اقتحمت أصعب المجالات وهو الكتابة الدرامية والمسرح، وحول قيادة المرأة للسيارة فدعني أقول لك إن «البعض» في المجتمع هو من يرفض قيادتها للسيارة. * بحكم إقامتكِ بالقاهرة.. ما رؤيتكِ للأحداث العربية، حيث لم تطل الثورات الخليج العربي؟. - في الحقيقة أنا لست ضد الثورة وفي تصوّري أن هناك مؤامرة عالمية لجر العالم العربي إلى الهاوية وستؤثر على المنطقة العربية ككل ويجب الانتباه واليقظه لهذا الأمر، ولا يمكن أن تحدث ثورات في دول الخليج حيث الترابط القبلي والديني والعقائدي المؤثر في حياة الشعوب، ونحن شعب المملكة نحب مليكنا وولي العهد ورجالات المملكة الذين أبدعوا وبرزوا على الساحة، وقد حاول البعض في السابق وفشلوا، وكانت كلمات الأمير نايف - يرحمه الله - خير برهان على تماسك الشعب السعودي خلف قيادته. * بصراحة..هل أضافت الملتقيات والندوات الخاصة بالمسرح؟. - الملتقيات الثقافية التي تعقد بالدول العربية تعد روافد فكرية مهمة على مستوى المبدعين والمفكرين، ولكن تعود أهمية الملتقى للمفكر في كونه مصدرًا للفكر وللأفكار بالإضافة إلى ما يستقيه بشكل تفاعلي، ولقد شاركت بأوراق علمية على المستوى المحلي والعربي والعالمي ولا أستطيع حصر إفادتي في كلمات عبر حوار صحفي. وبشأن المسرح في الحقيقة لم تقدم شيئًا نتيجة ابتعاد الأفكار عن بعضها وللظروف المناخية التي تحدث من بلد إلى بلد أخرى. * ما أبرز إسهاماتكِ الأخيرة في المسرح السعودي، وأهم أعمالكِ، وهل هناك أعمال جديدة؟. - هناك مسرحيتين جديدتين تحت الطبع اسمهما «المسرح السعودي مسرح الرجل ومسرح المرأة» و»كيف تكون مبدع». أما بالنسبة للأعمال المسرحية في المملكة فهناك مسرحيتي «حالة اختبار» (وهي النص الحائز على المركز الأول في مسابقة الجيل الواعي من دولة الكويت) وقُدمت على مسرح الأمير فيصل بن فهد بحائل وتم افتتاح مهرجان الشمال للكوميديا بها، كما تم عرض مسرحية «ابن الجبل» في نفس المهرجان وهي تجربة رائدة كما قال النقاد حيث إنها أول مونودراما طفل للكبار على مستوى المسرح العالمي بتاريخه العميق بجانب مسرحية «ابن الجبل»، وأيضًا انتهيت من مسرحية «غول المغول» وهي مسرحية كبيرة بها خمسون شخصية تقع في فصلين باللغة العربية الفصحى وهي تاريخية معتمدة على التاريخ وخاصة سقوط آخر خلافة إسلامية على يد المغول، وأما مسرحية «ابن الجبل» فهي مسرحية لطفل ينشد السلام العالمي والأنس الاجتماعي ولكن لا سلام مع الجوع فهو يصنع له تاجًا من غصن الزيتون ويرعى الغنم ولكنه يأكل تاجه الزيتوني، لأنه جائع، ومن هنا فلا سلام مع الجوع وهي رسالة من طفل للعالم أجمع. * في النهاية كيف ترين مستقبل المسرح السعودي؟. - المسرح السعودي يجب تفعيله خلال المرحلة المقبلة، وفي الحقيقة هو موجود وغير موجود.. كونه ضعيفًا، ودون المستوى، ولا يرتقي لطموح المسرحيين، حيث من الصعب أن تنفق من 2000 إلى 3000 ريال ونقول هذا عمل مسرحي!.. ووجود جمعية للمسرحيين السعوديين ضروري لإبراز الفعل المسرحي المحلي وحماية الفنان المسرحي، ولن ينهض المسرح السعودي دون وجود موظفين حكوميين مفرغين لذلك العمل، ولاشك إن وجود هيئة حكومية ذات طابع وظيفي لإدارة العمل المسرحي في السعودية يحقق للمسرح نضوجًا واستمرارية لتقديم الإبداع.