لا شيء يستفزك مثلما يسألك أحدهم هل أنت مع أو ضد؟ إذ يختزل لك الخيارات في خيارين فقط، وكأنه يحدد مسارك ممارسًا قمعًا فكريًا وحجرًا تعسفيًا لعبقرية الإنسان، التي أدركت أن هنالك جهات أخرى غير الجهات الأربع المعروفة؛ فصعدت إلى السماء وغاصت في باطن الأرض.. إننا كثيرًا ما ننادي بالتعددية وحرية التعبير وتعدد الخيارات، ولكن عند المحن والأزمات تتجلى حقيقة القيم والمبادئ.. مع أو ضد نادى بها جدنا العربي (إن لم تكن معي فأنت ضدي)، وعادت لها أمريكا على لسان بوش وقد كستها ثوب الإرهاب: فمن لم يكن معها في حربها فهو ضدها، ثم عاد بها ابن لادن وقد كساها برداء ديني عندما خندق العالم بأسره إلى فسطاطين لا ثالث لهما. فإن قال قائل: إن الثنائيات موجودة منذ بدء الخليقة؛ فهناك جنة ونار، خير وشر.. قلنا ولكن الخيارات لأي منهما تتعدد بامتداد الأفق. والخطر - كل الخطر - عندما نحشد الناس نحو ممارسات حياتية أو تدينية ثم ندفعهم للمفاضلة بينها دون أن نتجاوز ذلك لإيجاد صيغ أخرى تدفع عن العقل الوصاية وتؤكد على طبيعة الاختلاف بداية ونهاية. إن الحرية نفسها كلمة مطاطية ذات مفاهيم نسبية وطالما ألبسناها أشكالًا معينة أو وضعناها في أطر محددة فنحن نفرغها من معناها ابتداء الحرية الحقيقية تكمن في حرية التكوين وحرية التفكير وحرية التعبير. فهل ثمة حرية بعد ذلك؟!