أثار فيلم «قاوم السلطة» الذي أنتجته شبكة «إم تي في» للعرض على الجمهور الأميركي الكثير من ردود الأفعال، الفيلم عرض لمقاطع من حياة ثلاثة شباب سعوديين وشابة واحدة في مدينة جدة، تتلخص القصص كلها حول محاولات الشباب الأربعة للخروج من نمطية الحياة المعتادة إلى تغيير يثبتون فيه وجودهم المختلف عمن حولهم ومن سبقوهم: أحمد، وهو الشخصية الأبرز من المجموعة، يحاول أن يدمج مجموعة من السيدات في مجلس جدة البلدي، باعتبار تلك خطوة أولى لمنح النساء صوتاً ورأياً في الحياة العامة، تتابع الكاميرا أحمد بداية من غرفته وهو يعقد عمامته المكية على رأسه، موضحاً بأنها تمنحه هوية مميزة، ويشير إلى كتبه التي جمعها من خارج المملكة، وهو يتعجب من عشوائية مفتشي المطار في منع الكتب، بحسب ما يرونه مناسباً ومن دون لائحة واضحة تحدد ما يمكن السماح به أو منعه، تدور الكاميرا مع أحمد وهو يحاول إقناع أعضاء المجلس البلدي بالسماح للسيدات من مواطنات جدة بحضور جلسات المجلس الشهرية المفتوحة أسوة بالمواطنين الذكور. ويتساءل «هل لي حق في المواطنة أكثر من حق والدتي فيها؟»، وينجح بعد ذلك في الحصول على تصريح للسيدات ليبدأ في جلسة مبدئية بالتنسيق معهن في كيفية إقناع المسؤولين بإدماجهن في قضايا المجلس، وعلى رغم حضور السيدات للجلسة الموعودة ودفاعهن عن حق الحضور إلا أن المسؤولين لم يستطيعوا الاستمرار في السماح لهن بالحضور تماشياً مع التوجيهات المتبعة، وتتابع الكاميرا أحمد وفاطمة «الشابة الوحيدة في البرنامج» وهما يحملان المساعدات العينية لعائلات فقيرة من سكان جدة. وتحلم فاطمة بحقوق مساوية للمواطن الرجل، وتأمل في تغيير الصورة النمطية للزي الأسود للنساء بزي ملون أنيق لا يخالف التعاليم الدينية، وتنجح في الإعداد لمشروعها الصغير للعباءات الملونة وإقناع عدد من الشابات بتجربته. وهناك عزيز الشاب المحب لوطنه وهو يحاول أن يقابل فتاة تعارف عليها عبر «الانترنت» ويفشل في إيجاد مكان عام يسمح لهما باللقاء، ويتساءل في عجز «ما الخطأ في أن يقابل فتاة لغرض التعارف والبحث عن الحب والزواج في مكان عام؟»، ويقرر بأن «الشباب لا يتمتعون بالحرية في الحياة كما يشاؤون». ويعرض الفيلم أيضاً محاولة ماجد لعرض موسيقاه «الميتال» مع أصدقائه للعامة وكسر الفكرة النمطية الخاطئة عنها التي ربطتها بالكثير من الممارسات المرفوضة، الفيلم كما يظهر الشباب الأربعة وهم يتابعون بإصرار ممارسة أحلامهم وتحقيقها، على رغم علامات الرفض وتعليقات الاستنكار، إلا أنه يعرض أيضاً اعتزازهم بممارساتهم الدينية وهويتهم الأصيلة، إذ لا يرى أي منهم أن ما يقوم به يتعارض مع القيم الدينية، وإن كان يخالف النسق الاجتماعي العام، كما يظهر على شريط العرض التعبير العام الذي خلصت إليه معدتا البرنامج عن محتواه العام «عبر الحب والصداقة والأزياء والموسيقى يعمل الشباب على تغيير الثقافة العامة لمجتمعهم». البرنامج هو حلقة من سلسلة تعدها القناة الموسيقية الشهيرة عن الحياة الواقعية للشباب في مواضيع مختلفة، وبالتأكيد وبعرض حلقة خاصة عن السعودية، كما هي في أعين أربعة من أبنائها، مارس البرنامج السياسة نفسها في عرض الحياة الواقعية كما هي من خلال أعينهم، إلا أن ما لم يتوقعه معدتا البرنامج ولا المشاركون فيه هو ما حدث بعد ذلك، إذ تسلمت محكمة جدة دعوى قضائية ضد المشاركين في البرنامج بتهمة «المجاهرة بالمعصية»، ولم يعرف بعد على وجه الدقة من قام برفعها، في إعادة واضحة لقضية مازن عبدالجواد الشهيرة، التي حُوكم بسببها وأدين بخمس سنوات سجناً و1000 جلدة، بينما غاب العقاب نفسه عن معدي الحلقة والمروجين لها في ذلك الوقت، وربما يتساءل المشاهدون لحلقة «قاوم السلطة» أين هي المعصية التي يحاول الشباب الترويج لها؟ وهل كسر المتعارف عليه مخالف للتشريع الديني؟ إذ لا تتجاوز أي من ممارسات الشباب المعروضة في الحلقة ما هو متعارف عليه لدى قطاع عريض من الشباب في كل زمان ومكان، ككل محاولات التجديد وتجربة المختلف وكسر الروتين والنمط المعتاد، أما أن يعمل القائمون على المجتمع على استخدام السلطة الدينية لفرض الوصاية وكبت التعبير عن الذات حتى في البرامج غير المعدة للعرض المحلي، فذلك يثير الكثير من التساؤل حول مطاطية وغموض تهمة المجاهرة بالمعصية، كما يؤكد على عشوائية المنع وغموض القوانين العامة التي تحكم السلوك هنا، ويصبح عندها من الصعب على الشباب والشابات استنباط الممنوع من المسموح وسط ضبابية الخطوط الفاصلة بينهما، ولن تجبر الملاحقة القضائية والتهديد بالتوقيف والجلد أحداً على الانصياع في غياب اقتناع حقيقي بمبدأ الخطأ والصواب، لن تجبر الممارسات التعسفية أحداً على شيء سوى إخفاء ما يعتقدونه والعيش بازدواجية إرضاء لمجتمع جامد غير قابل للتجديد. وهنا ينبغي التساؤل هل الهدف النهائي لمجتمعنا هو العيش داخل قيد حديدي في التعامل مع حرية التعبير؟ وهل نخشى على المجتمع من اختلاف أفراده وتنوع ما يتعرضون له كل يوم من أن يصبح كقطيع من الخراف بلا أي إرادة تسيّره سوى اتباع أحلام بعض الشباب والشابات السعوديين على شاشة التلفزيون؟ من المؤسف أن تظهر مثل تلك الدعاوى القضائية في الوقت الذي يتجه العالم فيه إلى التخلص من الوصاية بأشكالها كافة وتشجيع حرية التعبير للأفراد بعيداً من المؤسسات الرسمية وباستخدام أدوات النشر الذاتية الإلكترونية، بينما تظل ثقافة التعبير منطقة محرمة وخاضعة للتأويل والمصادرة خلف تروس الثقافة الأبوية التقليدية. الحقيقة أن من يمارسون الوصاية على حرية التعبير الاجتماعية لا يسيئون إلا للهدف الذي يسعون إليه، لأنها تخلق في النهاية مجتمعاً غير قادر على ممارسة إرادة التمييز. * كاتبة سعودية - الولاياتالمتحدة. [email protected]