ألا تلاحظون تتابع صدور سلسلة من الإجراءات الرقابية التحذيرية من جهات مختلفة، مصدرها أصلاً عدم الثقة، فقد تبين أن كثيراً من الناس يمارسون صنوفاً من التحايل تدعو فعلاً إلى افتراض انعدام الثقة كلياً، ومن ثم المطالبة بكثير من الإثباتات، وربما الشهود والمزكين. لماذا وصلنا إلى هذا الحد من ظاهرة شيوع عدم الثقة بين المواطن والمواطن، وبين المواطن والمؤسسة حكومية كانت أو خاصة!! لماذا بات الأصل هو تزوير الحقائق، في حين يُفترض أن يكون صدق الكلمة والوفاء بالعهد والشهادة بالقسط. آخر المحاولات المستميتة من الجهات الرقابية للحد من (الكذب) هو التهديد بالعقاب الصارم لكل من أصدر شهادة طبية على خلاف الحقيقة مع علمه بذلك. أما العقوبة المسجلة في الدفاتر، فالسجن لمدة لا تزيد عن سنة، وبغرامة لا تزيد عن 100 ألف ريال أو بإحداهما، على أن يبدأ تطبيقها اعتباراً من 7 جمادى الأولى القادم. وأما بيروقراطية الإثبات فتبدأ من جهات التحقيق الرسمية بحكم اختصاصها ثم تُحال إلى المحاكم المتخصصة لإصدار الحكم اللازم بعد سلسلة من الجلسات والاستماع إلى المتهمين وشهودهم (الذين ربما كانوا هم أيضاً مزورين). المصيبة أن المعلمين والمعلمات هم الذين يتصدرون موظفي الدولة في الحصول على الإجازات المرضية. وأقول "بعضهم" وهم لا شك قلة بالنسبة للعدد الذي يتجاوز 400 ألف. لكنه سلوك مقلق مزعج إذا انطوى على تزوير الحقائق وإصدار شهادة تسمح بالتغيب عن العمل أحياناً لأسابيع فضلاً عن أيام قليلة. والأدهى من ذلك أن يتفاخر البعض بهذا الإنجاز المنطوي على الكذب والتزوير. ووزارة العمل مثلاً لا تقبل بإفادات السعودة، بل يصر مندوبها على زيارة موقع المنشأة للتأكد من واقع الحال ميدانياً، فالأصل مرة أخرى تراجع الثقة، ولا بد من التثبت! وكاتب العدل لا يصدق امرأة شاكية أو مراجعة، وإنما يطلب معرفين لها، وقد يكونون من الكاذبين فتكون النهاية سلامة الإجراء مع فساد القضية لأن أحد أطرافها غير المفترض. متى يسترجع المجتمع المسلم وهجه وبريقه القائم على تقوى من الله، وعلى يقظة من الضمير، وعلى ترفع عن الصغائر، وعلى تقدير واحترام التوجيه النبوي الكريم: (من غشنا فليس منا). [email protected]