يحمل سبتمبر الكثيرمن الذكريات التي تعني الكثير بالنسبة للشعب الفلسطيني ، أهمهما ذكرى توقيع اتفاق أوسلو ، واندلاع انتفاضة الأقصى التي حلت بالأمس ذكراها الثالثة عشرة بمظاهرات واحتجاجات لأبناء القدس المرابطين في مواجهة الاقتحامات والتعديات التي يقوم بها قطعان المستوطنين لساحات وباحات المسجد بحراسة القوات الإسرائيلية الخاصة ، وهو المشهد الذي أصبح يتكرر يوميًا بما يؤكد على أن إسرائيل تبيت نية شريرة تجاه المسجد والمقدسيين . قراءة جديدة لاتفاق أوسلو بعد 20 عامًا من توقيعه سنكتشف انه لا يقر بأن الأرض محتلة ، ولا يشير إلى ضرورة توقف إسرائيل عن بناء المستوطنات التي كان فيها 160 ألف مستوطن فأصبحوا الآن 650 ألفاً . والنتيجة أن العرب الذين كانوا يشكلون الأغلبية في القدس العربية أصبحوا الآن يشكلون ثلث السكان ، وأصبح الأقصى يواجه احتمالين إما التقسيم أو الانهيار. وحتى الآن ليس باستطاعة أحد تفسير كيف كانت منظمة التحرير الفلسطينية تقوم بحوارات سرية، في الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون يتفاوضون مع الإسرائيليين في واشنطن ، ولا حتى الأمريكيون أنفسهم كانوا يعرفون ماذا كان يجري في غابات أوسلو بين أحمد قريع ويوسي بيلين .. ليست المفاجأة أن إسرائيل أول من نعى اتفاق أوسلو وقالت على لسان العديد من قادتها إنه مات وشبع موتاً ، وإنما في أن القيادة الفلسطينية ما زالت تتمسك بذلك الاتفاق الذي يفترض أنه (مؤقت) ويفضي إلى دولة فلسطينية على حدود 67 بعاصمتها القدس الشريف عام 1998 . قد تكون أوسلو حققت بعض الإيجابيات للفلسطينيين ، لكن دعونا نرى ما حققته لإسرائيل وفق ما ذكره مهندسها الإسرائيلي بيلين في «هآرتس» قبل بضعة أيام :» دفعت الاتفاقية الأردن إلى توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل ، إلى جانب أن عشرات الدول التي لم تكن لنا معها علاقات دبلوماسية أقامت سفارات لها في إسرائيل، ورفعت المقاطعة العربية في قسم مهم منها – والشركات الدولية الكبرى التي تخاف الدخول إلى إسرائيل أقامت فروعا لها في البلاد، وأقامت موريتانيا علاقات دبلوماسية معنا، والاقتصاد نما بشكل لم يسبق له مثيل . وعلى مدى بضع سنوات تغيرت مكانة إسرائيل في العالم وفي نظر المنظمات الدولية، وكان يخيل أن العالم فتح أمامنا». يمكن القول في المحصلة إن تسريع عجلة الاستيطان لتهويد القدس والأغوار والتغول الإسرائيلي ضد الأرض والإنسان الفلسطيني الذي نراه الآن بكل مشاهده التعسفية ليس نتيجة استمرار العمل ب (أوسلو) بعد فشلها في تحقيق الحلم الفلسطيني وانتهاء صلاحيتها فقط ، وإنما أيضًا بسبب تغييب الخيارات الفلسطينية التي تعتبر «الانتفاضة الثالثة» أهمها ، وأيضًا في ظل الحالة العربية التي جعلت غالبية الدول العربية مشغولة بهمومها الداخلية ، وذلك إلى جانب استمرار الانقسام الفلسطيني الذي تعتبره إسرائيل مفيدًا لها أكثر من أوسلو والمفاوضات .