أوباما، الرئيس الأميركي، قال في خطابه الأخير السبت الفائت، إن هناك عملية عسكرية أميركية وشيكة ستتم لضرب النظام السوري الذي استخدم السلاح الكيماوي ضد مواطنيه، بما يتعارض مع القرارات الدولية التي تُحرِّم وتُجرِّم استخدام السلاح الكيماوي في الحروب بين الدول، وأن هذا النظام بقيادة بشار الأسد استخدم السلاح الكيماوي ضد مواطنيه وليس في حرب ضد خصم آخر، وتجاوز خطًا أحمر وضعه أوباما له، ومن ثم فإن تأديبه بضربة صاروخية أصبح ضرورة.. وأكد أوباما أن الضربة قادمة خلال يوم أو أسبوع أو شهر.. واختتم الرئيس الأميركي خطابه قائلا إنه لن يتحرك عسكريًا إلا بعد أن يناقش الكونغرس موضوع القيام بعمل عسكري ضد النظام السوري، ويتخذ قرارًا بشأنه، وأنه (أي أوباما) سيلتزم بقرار الكونغرس.. وبعد أن أكمل الرئيس خطابه، سارع وزير خارجيته جون كيري، الذي كان يقف خلفه وقت إلقائه الخطاب، إلى المشاركة في لعب جولف لعدة ساعات. الحيرة تأتي من أن أوباما قال: إن العمل العسكري ضد سورية قد يتم خلال يوم أو أسبوع، كما أنه قال أيضًا: إنه لن يكون هناك أي إجراء عسكري قبل إجازة الكونغرس لهذا الإجراء، والذي سيبدأ نقاشه لهذا الموضوع يوم 9 سبتمبر، أي بعد تسعة أيام من إلقاء أوباما لخطابه، كما أن إدارة أوباما بحاجة للعمل حثيثًا لإقناع أعضاء الكونغرس بوجهة نظرها وتتفرغ لذلك إن أرادت النجاح لمخططها المعلن، لا أن يسارع أكبر رأسين فيها للعب الجولف بعد الإعلان عن خطة الإدارة. ما هي حقيقة الموقف الأميركي؟ وما مدى جدية الرئيس في مواجهة تحدي بشار الأسد له؟ ليت أوباما لم يعلن الخط الأحمر، ولا تعرض لإيران بتحديد خطوط حمر أخرى لها.. ولكن تم الأمر وعلى أميركا أن تُقرِّر الآن ما إذا كان وعيد رئيسها يعتبر قضية قومية يجب اتخاذ موقف حازم تجاهها، أم أن هذا الرئيس لا يعتبر الأميركيون مواقفه تستحق الدعم.. علمًا بأنه لو كانت أميركا تعاونت مع الدول الداعمة للثورة السورية في بداياتها لما تطوّرت الأمور إلى ما تطورت إليه، وأوقعت الرئيس الأميركي في الحرج الذي هو فيه. على كل حال هناك احتمال، وإن كان ضعيفًا، أن تقدم أميركا على عمل عسكري ضد النظام السوري، خلال شهر من الآن.. ولنا أن نتساءل حينها: ما الذي تستهدفه أميركا من هذا العمل العسكري؟! هل هو رد اعتبار فحسب لرئيسها الذي حذّر من استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي؟ ثم العودة إلى مواقعها خاصة أن أوباما ذكر في خطاب اللا حرب الذي ألقاه السبت الفائت أن العمل العسكري الأميركي لن يستهدف إسقاط نظام بشار الأسد؟ أو أنه، كما ذكر بعض المحللين الذين يتكاثرون هذه الأيام، سيكون لتعديل موازين القوى بحيث يضعف القوة العسكرية للنظام بنسبة تتيح الضغط عليه للذهاب إلى (جنيف 2)؟! العمليات العسكرية يمكن البدء بها، ولكن من الصعب التحكم في نتائجها، والوضع في سورية لا يتيح لأميركا السيطرة على النتائج، فالنظام السوري تحوّل إلى وكيل أعمال للنظام الإيراني، وفقد السيطرة الكاملة على مصيره، ونظام طهران يستخدم جماعات مذهبية من العراق وإيران بالإضافة إلى (حزب الله) اللبناني، لإحداث واقع على الأرض في سورية وما جاورها، وبالمقابل تفتقر الثورة السورية إلى الدعم الكافي لتُحدث تغييرًا على الأرض مناسبًا لما يمكن أن تُحدثه العملية العسكرية الأميركية من خلل في الوضع العسكري للنظام، وذلك نتيجة للمواقف الخاطئة السابقة التي وقفتها إدارة أوباما من الثورة السورية. لذا فإنه إذا كان المطلوب تعديل حقيقي في الموقف العسكري بالداخل، فمن الضروري أن يتم التنسيق والدعم اللوجستي (بالسلاح لا الرجال) للثورة السورية من الآن لتتزامن العملية العسكرية الأميركية مع تحرك للثوار السوريين على الأرض لإحداث التغيير المناسب لصالح الشعب السوري. إلا أنني أعود وأقول كمراقب سياسي: إنني في حيرة من الأمر، بعد أن شاهدت مواقف بريطانية تنقلب على نفسها، وموقفًا أميركيًا يتراجع عن فعل يمكنه أن يفعله.. إنني محتار. [email protected]