يتعامل الناس مع الأعمال الدرامية (أفلام، مسرح، مسلسلات) كوسيلة لتزجية أوقات الفراغ قليلة الفائدة فيما دون ذلك، تؤدي وظيفة، طالما ثمة وقت فراغ لا يدري المرء ما يصنع به، فهي جزء إجباري (دون إلزام!) من الحياة المعاصرة، لذلك يشتد الطلب على الدراما. ولأن الموضوعات القابلة للطرح محدودة، التكرار نقيصة لا محيص عنها. العلاقات العاطفية على الدوام عنصر ثابت في تلك الأعمال سوى ما ندر، ولا بد من مشكلة تعكر صفو الارتباط العاطفي بين طرفيه؛ لكي تكون هناك حدوتة تُروى، إحدى المشكلات المحببة للدراما أن يكون أحد الطرفين غنيًّا والآخر فقيرًا، إذا سألت نفسك كم مرة شاهدت هذه الفكرة بتنوعاتها في الأعمال الفنية؟ لن تستطيع الحصر، فهي مكررة إلى درجة تستدعي النظر، ما أن ينزنق مؤلف أو كاتب سيناريو في موضوع إلا وأتى بها، فإذا اعترضت على عدم واقعيتها قالوا لك إنها تحدث وغير مستبعدة، لن تقنعهم بأن حدوثها في دنيا الواقع استثناءات بنت ظروفها، وإن الإلحاح عليها مداعبة غير مشروعة لأحلام الفقراء، حين تعدهم بحلول لا يتوقعها ولا يفترضها إلا كاتب بائس ناقص الإبداع. قد نلتمس للمؤلفين عذرًا بشدة الطلب ومحدودية موضوعات العلاقات الإنسانية، إلا عندما يحاولون التمويه على السطحية وضعف الخيال بخطاب جانبي يدين الفوارق الطبقية وتفاوت مستويات الدخل، في الغالب لا يخلو اجترار الموضوع من تلميح كهذا، ليس له قيمة فكرية أو أخلاقية. يا له من اقتراح عبقري في غباوته لحل مشكلة الفقر، عن طريق استغلال العلاقات الإنسانية، فتحل الفقيرة أزمتها بالزواج من غني، ويكسر الفقير ضائقته بالزواج من ثرية! هذا نوع من الحلول علاوة على بعده عن الواقعية ينم عن موقف انتهازي يستحق الإدانة لا التعاطف، نادرًا ما ترى هذا الطرح في الدراما الأجنبية، وإذا تطرقت إليه تقول لك صراحة إنها مناورات من الطرف الفقير دافعها الطمع.. لو أن القضية تهريج وملاهٍ لا ضرر منها لهان الأمر، لأن لها في بعض الأحيان على بعض العقول انعكاسات سيئة. أعرف شابًا في مقتبل العمر في عوز دائم، ونصف عاطل، خالي الوفاض من علم أو ثقافة أو ذكاء، أمنيته الوقوع على ثرية يتزوجها، ويا سلام لو تنافس في الشكل فاتنات هوليوود، ولا بأس أن تكون خريجة أرقى الجامعات الخاصة! هو لا يمزح، هذا حلم حقيقي ينتظره، عاجز عن أن يرى لا معقوليته، ولا يؤهله له إلا كونه مقبول الشكل، حتى هذه الإيجابية أفسدها ضعف ذوقه في الملبس والحديث. سألته ذات مرة علّه يفيق من أوهامه: واحدة زي دي حتاخدك على إيه!؟.. فاكتست ملامحه بالأسى وأجاب وكأنه ينطق بحكمة سقراط: الحب يصنع المعجزات.. قلت له: نصيحتي كف عن متابعة الأفلام والمسلسلات العربية.